أحلام الشباب والقوى الناعمة المصرية
لا زلت أذكر أغنية محمد فؤاد ومحمد هنيدي «كامننا»، وخاصة المقطع الذي يقول: «تحلم بإيه؟ نفسك في ايه؟»، ليأتي الرد من محمد هنيدي «أنا نفسي ألقى نفسي واد حبيب وبيه ومعايا فلوس كتير تلاتين تلاف جنيه، اشرب قازوزة في العجوزة مع استاكوزة ايه واجيبلي دش مع الموبايل والحتة الكوبيه»، ورغم أن سياق الفيلم التاريخي فيما تدور فيه أحداثه كانت تشير إلى ثمانينيات القرن الماضي، أي لم يكن قد ظهر بعد الدش، أو الموبيل، إلا أن الأغنية لقت صداها بوصفها معبرة عن معاناة جيل كامل وصل قمة شبابه منذ التسعينيات ويدخل في وقت إنتاج الأغنية (1997م) إلى عتبات الأربعينيات، وأظنه حاليا قد تخطى الخمسينيات، أما الأجيال التي تلت هذا فقد غادرت أغاني «البلوز والبوب» إلى أغاني الراب، والتداخل الصوتي، وقد لا نجد لهذه الأغنية صدى لدى الأجيال الناشئة، ليحل محلها أشياء أخرى.
ما يجعلني أتوقف عند هذه الأغنية بالذات أنه يمكن النظر إليها باعتبارها ملخصا للحلم لدى الشباب المصري في أغلب الأوقات: «المال، والحب، والتقنية، والطعام»، وإن لم يتوفر أي من هؤلاء فإن البديل عن ذلك هو النواح، والعويل، ولعن الزمن والحياة، ولعل أشهر أغنية تختزل هذا الوضع أغنية عبد الباسط حمودة: «أبص لروحي فجأة»، لتعبر عن ضياع حقب زمنية كاملة من أجيال تتوه عن السكة، ولا تعرف لنفسها سبيلا في الوصول لتحقيق هدفها المنحصر والمحدد سلفا في المال والحب والطعام والتقنية، ولاحظوا أنني لست بصدد تقديم تقييم فني للأغاني، بقدر ما أتوقف عند دلالتها الاجتماعية، وتأثيراتها المعبرة على أفكار الشباب، وما ستوجده في الشباب من أثر، وأن أشد ما أؤكد عليه أن أغلب الأغاني لا تتحدث عن الجهد الذي يجب أن يبذل من أجل الوصول للهدف، حتى الأغاني الحماسية التي يمكن أن تصلح في التعبير عن واقع العمال وواقع العمل مثل تلك التي يستخدمها بعض الحرفيين في زيادة هممهم وتحميس بعضهم البعض، ستجدون أنها قليلة جدا مقارنة بأغاني الحب والمال والطعام، ثم حديثا التقنية.
لا شك أن الواقع المصري ليس مثاليا، ولا شك أن هناك الكثير من الأمور تُزِيد إرباك المشهد، وأظنه من المشروع تماما أن نطالب بالتوقف إزاء دراسة ما يسود المجتمع من قيم، وما يتم غرسه فيه من أفكار، فالروح الوطنية بحاجة ماسة إلى التعهد والمتابعة، وإذا ما كانت ملاحظة أن البيئة الثقافية العامة في الشارع المصري لا تولي لفكرة الجدية والعمل من أجل تحقيق الحلم المأمول، فإن تلك السمة تجعلنا نطالب بفتح الباب أمام دراسة كل ما يصدر عن قوى مصر الناعمة، ونتساءل: هل يوجد الآن أية مرجعية ثقافية ينهل منها الشباب؟
وأقصد هنا المرجعية الثقافية بكل ما تحمله الكلمة من معنى واسع، مرجعية الالتزام بالمواعيد، والعادات الصحية، والسلوكية، والترشيد، والتنمية، والوعي، ومحاورة الآخرين، والاطلاع والتفكير وغيرها، أم ترى، في ظل صراع البقاء الذي تخوضه الدولة المصرية الآن، وفي ظل صراعات القوى الدولية من حولنا، هل نسينا أو تناسينا تنشئة الشباب وغرس القيم الثقافية والقيم العلمية الضرورية فيهم؟ هل نحن لا نشعر بأهمية العمل والعلم والروح العلمية رغم أننا نحتاج في كل وقت وفي كل لحظة إلى المشاركة الواعية والإيجابية من المجتمع عامة والشباب خاصة في مواجهة أخطار وعداءات تحيط بالدولة المصرية؟ أعتقد أنه آن الأوان لأن يكون هناك دور أكبر للقوى الثقافية في مصر تجاه تدعيم الروح الوطنية المصرية، وتجاه تأثيرها في الشباب وتنميته.