«عاصفة الصحراء » مواجهة جموح صدام..مصر شاركت بـ35 ألف مقاتل من جنود الجيش في تحرير الكويت.. القوات المصرية تقضى على أسطورة "رابع أقوى جيش".. وتنجح في إسقاط ديون مصر للغرب
في منتصف عام 1990 بدأت الخلافات تتصاعد بين العراق والكويت، الأخيرة التي ساندت الرئيس العراقى صدام حسين بكثير من الأموال في حربه ضد إيران، تريد تحصيل ديونها، العراق تعترض وتطالبها بالتفاوض حول الديون أو إلغائها، مدعية أنها كانت تدافع عن الحدود الشرقية للوطن العربي.
خلاف آخر حول النفط.. العراق تتهم الكويت بالقيام بأعمال تنقيب عن النفط غير مرخصة في الجانب العراقي من حقل الرميلة المشترك بينهم، حدة التوتر تتصاعد والعراق تهدد باجتياح الكويت، وفي الثاني من أغسطس عام 1990، تخترق القوات العراقية الحدود الكويتية بالفعل، وطالبت الأمم المتحدة بالانسحاب الفوري للقوات العراقية من الأراضي الكويتية، إلا أن صدام حسين، رئيس العراق حينها، لم يستجب، فتم إقرار عقوبات اقتصادية على العراق.
ومع تطور الأوضاع، قررت عدة دول تشكيل تحالف عسكري لمواجهة العراق وتحرير الكويت، وقد أعطيت مهلة حتى منتصف يناير 1991 لتنسحب العراق من الكويت، فلم يحدث، فتدخلت القوات العسكرية المؤلفة من 34 دولة في الأراضي الكويتية، وقد تضمنت هذه القوات فرقًا من الجيش المصري، وشاركت مصر في «حرب تحرير الكويت» تحت قيادة اللواء أركان حرب محمد على بلال، ثم اللواء صلاح حلبى، وكان تعداد المشاركين من الجيش المصري 35 ألف مقاتل، تقسمت بين أسلحة المدرعات والمشاة الميكانيكية والصاعقة والأسلحة المتخصصة.
وكان تمركز القوات المصرية في يسار الحدود الكويتية، لحماية يمين القوات الأمريكية، وقامت القوات المصرية بالالتفاف تجاه الحدود بهدف عزل جنوب الكويت عن شمالها، حين كان الاشتباك مع القوات العراقية التي كانت تتوقع أن تكون الهجمة الكاملة من قوات التحالف من الاتجاه الذي أتى منه الجيش المصري فاستعدوا بكامل عتادهم العسكري في هذا الاتجاه، فيما لم يعملوا حسابًا لعملية التطويق التي اتبعها الأمريكان، فكان الاشتباك الأعنف بين القوات العراقية وقوات التحالف مع الجانب المصري، والذي استطاع إثبات صلابته وقوته في مواجهة القوات العراقية التي روج لها حينها بأنها رابع أقوى جيوش العالم، ما أثبت عدم صحته أمام جنود مصر.
وقد انهزمت القوات العراقية في الأخير في آخر فبراير 1991، وكان المكسب المصري من المشاركة في تحرير الكويت هو إسقاط بعض ديونها لدى العديد من الدول منها الولايات المتحدة واليابان وقطر، فيما تحصلت مصر على منح من دول كالكويت والإمارات وألمانيا والسعودية، بالإضافة إلى الجماعة الأوربية.
وكان الرئيس المصري حينها، حسني مبارك، قد أعلن بعد تحرير الكويت أن خسائر مصر من حرب الخليج وصلت لـ20 مليار دولار.
ورغم أن المشاركة المصرية في حرب الخليج كانت محدودة لكنها مهمة ففى البداية أرسلت مصر قواتها للسعودية ضمن عملية درع الصحراء لحماية المملكة من غزو عراقي محتمل، وفي النهاية وافقت القاهرة على المشاركة في عاصفة الصحراء لإخراج العراقيين من الكويت، وأرسلت مصر ثاني أكبر مشاركة عربية وكانت من أكبر المشاركات في الحرب بشكل عام فقد أرسلت مصر فرقتين ولواء "الفرقة الثالثة ميكانيكا" و"الفرقة الرابعة مدرعة" و"اللواء 20 صاعقة".
كان المصريون عماد قوة العمل المشتركة الشمالية وكان يرمز لها بـ"JFC-N" وكانت هذه القوة أحد التشكيلين الرئيسيين للقوات العربية في عاصفة الصحراء (القوة الثانية كانت القوة المشتركة الشرقية وتضم السعودية وقطر والكويت وعملت على الساحل).
وقد اعتبر المصريون التشكيل الرئيسي بسبب حجم قواتهم وﻷن الأمريكان توقعوا أن تكون القوات المصرية اﻷكثر قدرة لعدة أسباب منها أنه كان هناك شكوك في مشاركة القوات السورية في الحرب حتى اللحظة اﻷخيرة، وبسبب كون معداتها الروسية مماثلة للعراقية تم إبقاؤها في الخلف كاحتياطي إستراتيجي لتجنب مشكلة النيران الصديقة، ولم يتم اعتبار القوات الكويتية والسعودية ذات قدرات قتالية جدية من قبل ضباط الاتصال الأمريكان الملحقين في تلك القوات.
وعليه كانت الخطة أن تتقدم الفرقة الثالثة ميكانيك المصرية وأن تعزز الفرقة الرابعة المدرعة الهجوم لو حصل اختراق وأن يكون للكويتيين والسعوديين دعم الجانب اﻷيمن للمصريين وبقاء السوريين كاحتياط.
حددت القيادة المركزية القاطع بين الفيلق اﻷول لمشاة المارينز والفيلق السابع لقوات JFC-N، وكانت مهمتها دخول الكويت من الغرب والتوغل خلف العراقيين لقطع انسحابهم عن طريق السيطرة على طريق البصرة - الجهراء الذي يجب على القوات العراقية جنوب الكويت المرور منه لو أرادت الانسحاب، وكان هناك هدف آخر هو (حماية اجناب فيلقي المارينز والجيش اﻷمريكي في أثناء تقدمهم بحيث لا تستطيع الدبابات العراقية الموجودة وسط الكويت عمل هجوم مضاد).
كانت ساعة الصفر مقررة بأول ضوء لليوم الثاني للهجوم البري "25 فبراير 1991"، ولكن الهجوم الرئيسي لمشاة البحرية على الكويت من الجنوب سار بشكل ممتاز لدرجة أن القيادة المركزية قررت تفديم موعد هجوم الفيلق الأمريكي السابع.
وعندما بدأت القوات المصرية بالمشاركة، وتحركوا أمام مقاومة عراقية شبه معدومة وهاجموا قطاعات الفرقة 20 و30 مشاة للجيش العراقي، وكانت كلتا الفرقتين منهكتين من القصف الجوي المستمر لستة أسابيع.
وبالإضافة لذلك فقد دمرت طائرات A-10 الكثير من معدات الفرقتين (المدفعية والدروع)، وكانت مهمة المصريين في اليوم اﻷول اختراق الدفاع العراقي واحتلال ثكنة اﻷبرق نحو 35 كم داخل الكويت، ولكن عندما وصل المصريون الخندق العراقي المملوء بالنفط أشعله العراقيون، مما اضطر القوات المصرية للتوقف، لمدة 10 ساعات حتى توقفت تلك النار.
في اليوم الثاني، هربت القوات العراقية من تشكيلاتها، وتسارع الهروب عندما صدر الأمر للعراقيين بالانسحاب العام من الكويت مساء ذلك اليوم، بدات القوات المصرية هجوهمها مبكرا في ذلك اليوم بداية من الساعة السابعة صباحًا، بقيادة فرقة المشاة الثالثة، بسبب تفكك القوات العراقية، ولم تواجه القوات المصرية مقاومة كبيرة في اختراق الدفاعات العراقية، وأطلقت المدفعية كمية كبيرة من الذخائر للتمهيد للتقدم.
وبعد بدء التقدم واجهت الفرقة الثالثة مقاومة متفرقة من بعض القوات العراقية، مما اضطر القوات المصرية إلى التوقف مجددا، وطلبوا دعمًا جويًا، ولم يسمح الجو السيئ بتنفيذ ذلك، مما أدى بالقوات المصرية إلى الانتظار حتى الساعة العاشرة صباحًا حتى ينتهى قصف القوات العراقية.
عندما عاود المصريون هجومهم مرة أخرى، كانت القوات العراقية الباقية على الخط الأمامي قد هربت معظمها أو استسلمت، ورغم ذلك، تابع المصريون تقدمهم.
وفي صباح اليوم الثالث من الحرب البرية، قررت القيادة المركزية توجيه المصريين للتوجه مباشرة لطريق الجهراء وترك الثكنة فورا. ومرة أخرى، رفض المصريون تغيير الخطة اﻷصلية، وبعد تأكيد اﻷوامر مرة أخرى أرسل المصريون جزءًا من قواتهم نحو الجهراء ولكنها كانت تتقدم بشكل بطيء لدرجة أن القيادة المركزية ارتأت سحب المهمة وتوكيلها للواء اﻷول مدرع واللواء الثاني مشاة ميكانيك للجيش اﻷمريكي.
وفي تلك اﻷثناء قررت القيادة لن تدخل القوات المشتركة (القوات الشرقية التي كانت تجلس جنوب الكويت والقوات الشمالية) مدينة الكويت لإظهار التضامن العربي.
وفي يوم 26 (ثاني يوم للعملية البرية - وكان العراقيون قد انسحبوا ) كانت القوات المصرية لا تزال بعيدة عن العاصمة وبدل انتظار المصريين تم طلب إرسال وحدات صغيرة لدخول الكويت العاصمة مع الكويتيين والسعوديين والقطريين، ومرة أخرى رفض القائد المصري هذا اﻷمر واضطر شوارتزكوف أن يتصل بمبارك شخصيًا ليصدر الأوامر للقوات المصرية، وفي نهاية الحرب كانت الخسائر 100 بين قتيل وجريح.