حرب اليمن.. معركة "ناصر" للتخلص من "حكم الإمام".. الشاذلي: القوات المصرية جسدت أعظم ملحمة خلدها التاريخ لتحرير الأرض.. دبلوماسي روسي: جيش عبد الناصر وعد وكان أول من أوفى بالعهد
مصر دعمت ثورة "الضباط الأحرار" في صنعاء بـ70 ألف جندي.
في عام 1962 قرر العميد "عبد الله السلال" وعدد من ضباط الجيش اليمنى القيام بثورة لإسقاط حكم الإمامة بزعامة الإمام محمد البدر حميد الدين، واستمرت تلك الثورة قرابة الثمانى سنوات للتخلص من مكامن الجهل والظلم والرجعية التي عاناها الشعب اليمني في ظل النظام الإمامي في شمال الوطن والاستعمار البريطاني في الجنوب اليمنى، وكان الهدف من الثورة إعلان الجمهورية اليمنية الديمقراطية فضلًا عن جلاء القوات البريطانية عنها ولأن الرئيس المصرى جمال عبد الناصر في تلك الفترة كان قائدا وداعما لكل حركات التحرر الوطنى في الوطن العربى وأفريقيا قدم دعما عسكريا غير محدود لثوار اليمن.
سر دعم ناصر لثورة اليمن
في صباح 26 سبتمبر من العام 1962 أذاع التليفزيون اليمنى خبرا يقول إن العميد «عبد الله السلال» قاد الانقلاب ضد الأمير «محمد البدر» إمام اليمن الجديد، واستولى الجيش اليمني على السلطة بعد معركة مسلحة قيل إن الإمام «البدر» قتل فيها، وعلى الفور اعترفت مصر بالنظام الجمهوري في اليمن.
وفى هذا الصدد ذكر المؤرخ البريطاني " أنتوني نتنج " عند سرده الحقبة الناصرية أن عبد الناصر وجد في اندلاع الثورة اليمنية فرصة ذهبية لم تكن في الحسبان كي يعود مرة أخرى إلى الساحة العربية والدولية زعيمًا للقومية العربية، حفاظًا لماء وجهه بعد فشل الوحدة العربية بين مصر وسوريا عام 1961 م ونكايةً في الأنظمة العربية - السعودية والأردن – المساندة للرجعية اليمنية المتمثلة في نظام الإمام "البدر" آنذاك، كذلك ليبرهن لقوى الغرب وقتئذ أنه قادر على تحقيق حلمه العربى القومي.
بينما أشار الكاتب الكبير محمد حسين هيكل في كتابه "لمصر لا لعبد الناصر" إلى أن عبد الناصر كان مصرًا على ضرورة حماية الحركة العربية القومية وكان يعتقد أن لواءً من القوات الخاصة المصرية بصحبة سرب من القاذفات المقاتلة يمكنه أن يحمي الجمهوريين في اليمن.
مضيفا أن عبد الناصر كان يتطلع إلى تغيير النظام اليمني منذ 1957 سنة، وفي يناير من عام 1962م وجد الفرصة سانحة لتحقيق تطلعاته وذلك بدعم حركة الضباط الأحرار اليمنيين بالإيواء والمال وعلى موجات إذاعة صوت العرب.
تفاصيل الحرب
ويروى البروفيسور أوليك بيريسبكن سفير الاتحاد السوفييتى في اليمن مذكراته عن – حرب اليمن - فيقول: " في صيف 1962 م أجرى تنظيم الضباط الأحرار في اليمن اتصالات واسعة بالشخصيات الوطنية العسكرية من خلال سفاراتهم، وكان على رأسهم الرئيس جمال عبد الناصر في مصر والقيادة السوفييتية في روسيا طلبًا لمساندة ثورتهم، فكان الرد السوفييتى في بداية الأمر سلبيا وعلى الحياد، بينما جاء رد " ناصر " إيجابيا وداعمًا لثورة الأحرار في اليمن، أرسل لها برقية مفادها "نفذوا وسأوفى التزاماتكم، نبارك العمل الوطنى، ونحن على استعداد لتقديم العون في حينه، حسب ظروف مصر وإمكانياتها".
وأعلنت الثورة، ونصب العميد "عبد الله السلال" بعد سيطرة الثوار على قصر "البشائر" مقر الإمام الذي فر هاربا إلى حجة معقل أنصار الإمامة في اليمن قبل الثورة، ولكن سرعان ما دبت الخلافات والانشقاقات بين صفوف الضباط الأحرار ونجح الدعم المادى واللوجستى للتحالف السعودى الأردنى الأمريكي في اجتذاب عدد كبير من القبائل اليمنية التي أعلنت سالفا انضمامها للثورة، فضلا عن ترك عدد كبير من جنود الجيش اليمنى وحداتهم وآثروا الانضمام للقبائل التي ينتمون لها".
دخول مصر دائرة الصراع
يقول " بيريكسن " إن قيادة الثورة اليمنية كانت في مأزق كبير كاد يودى بالثورة في مهدها، لذا لم يجدوا سبيلا سوى اللجوء للإدارة المصرية لطلب الدعم العسكري الذي كان مقدرًا مؤكدين التزامهم باتفاقية الدفاع المشترك التي أبرمتها كل من "مصر والسعودية واليمن" عام 1956.
وبالفعل سافر الرئيس الراحل محمد أنور السادات على رأس بعثة إلى اليمن في الفترة ما بين 12 إلى 14 أكتوبر وقع خلالها اتفاقية التعاون العسكري بين مصر واليمن لمدة خمس سنوات تجدد تلقائيًا طبقًا لاتفاقية الدفاع المشترك، تابعها عدد من البعثات العسكرية التي وقعت على عاتقها إعادة تنظيم القوات المسلحة اليمنية على أسس جديدة كما هو المعمول به في الجيش المصري، في الوقت نفسه استغلت الوحدات العسكرية اليمنية التي لم تنشق في الدفاع عن المدن والمناطق الحيوية.
يذكر الفريق سعد الدين الشاذلى أحد القادة المشاركين في حرب اليمن خلال مذكراته، أن قوام الجيش المصري كله يقارب 70 ألف جندي، تم تقسيمهم إلى 13 لواء مشاة وفرقة مدفعية وفرقة دبابات، وعدد من قوات الصاعقة وألوية المظلات بالإضافة إلى القوات الجوية التي لعبت دورا بطوليا أثناء الحرب من خلال الجسر الجوى، مؤكدًا أن القيادة السياسية حينها رأت حتمية التدخل العسكري المباشر في اليمن لما عانته من أزمة توصيل الأسلحة والعتاد للثوار وبالأخص في الجنوب اليمنى الواقع تحت سيطرة الإنجليز على الرغم من اعتراض الدكتور "أحمد أبو زيد" سفير مصر في اليمن في الفترة ما بين 1957- 1961 عندئذ للتدخل المباشر للقوات المسلحة هناك نظرا للطبيعة الطوبوغرافية الوعرة، وفضلا عن همجية القبائل اليمنية التى كانت تسبح في فلك خارج المجرة الكونية لعقود طويلة لا تعرف فيها معنى الانتماء للوطن والعروبة.
السبيل نحو إنهاء الحرب
ويروى الشاذلى خلال مذكراته قائلًا: "إنه في عام 1655 سافر الرئيس جمال عبد الناصر لأداء فريضة الحج فاستقبله الملك السعودى فيصل عبد العزيز آل سعود بحفاوة بالغة في مدينة جدة واتفق كل منهما خلال اللقاء على سحب القوات المصرية من اليمن مقابل وقف امتداد المملكة السعودية للملكيين "أتباع البدر" لكن لم يلتزم الطرف السعودى بالاتفاقية التي عرفت فيما بعد باتفاقية جدة".
وبحلول عام 1967 تركزت القوات المصرية شمال اليمن على الحدود السعودية لحماية كل من "الحديدة وتعز وصنعاء" بعدما سحب الرئيس جمال عبد الناصر نحو 15 ألف جندى مصري لتعويض الخسائر التي فقدها في حربه مع إسرائيل.
بعد هزيمة 67 انعقدت القمة العربية بالخرطوم، وأعلن وزير الخارجية المصري آنذاك السفير محمود رياض استعداد مصر للانسحاب من اليمن بشرط وقف المساعدات السعودية للملكيين وإرسال مراقبين من ثلاث دول عربية محايدة وهي "العراق والسودان والمغرب".
الأمر الذي رفضه "السلال" فانقلب عليه الجمهوريون، ساندتهم في ذلك الصين ومصر وسوريا وعينوا الفريق حسن الغمرى رئيسا للحكومة.
أكد الفريق الشاذلى في إحدى المقابلات التليفزيونية أن الجيش المصري حقق وبشكل كامل جميع المكاسب السياسية التي خاض من أجلها حربه في اليمن ضد الملكيين ونظام الإمامة وذلك بإعلان الجمهورية اليمنية وجلاء القوات البريطانية عن الجنوب اليمنى عام 1967م بالإضافة إلى سيطرة مصر على مضيق باب المندب الذي لعب دورًا أساسيا في حرب أكتوبر المجيدة عام 1973، مؤكدا أنه لا حديث عن الخسائر المادية الجسيمة التي روج لها البعض، قائلا: "الرئيس عبد الناصر أبلغنى أن نفقات مصر في حرب اليمن لا تتعدى الأربعين مليون جنيه مصري، جميعها من الميزانية الإضافية "ميزانية الطوارئ" كما يطلقون عليها دون المساس باحتياطي مصر من الذهب على عكس ما أشيع".
يشيد المؤرخون العسكريون بأداء القوات المسلحة في الحرب اليمنية كونها الحرب الأكثر كفاءة واحترافية لما حققته من انتصارات جوية، والتعديلات التي أحدثوها على طائرات التدريب والناقلات السوفييتية فقد طوعوها لتصبح طائرات تمشيط وقاذفات، تيقظوا حينها إلى أهمية مضيق باب المندب واستغلاله في حربهم ضد العدو الإسرائيلي، لتنتهى الحرب عام 1970 ويسطر الجيش المصري العظيم، مصنع الرجال، صفحة جديدة مضيئة في سبيل الدفاع عن تحرير الشعوب واستقلالها.