رئيس التحرير
عصام كامل

طريقة أوباما في غسل عقول دول العالم (1)


حقيقة لا مراء فيها.. إن أوباما الذي خدعنا في أول ظهور له على أرض عربية بعد نجاحه، عندما خطب في جموع المسلمين داخل جامعة القاهرة، ما زال مصرًّا على أن بإمكانه أن يغسل عقولنا، ويخدعنا للمرة الثانية، وهو يخطب أمام دول العالم بعد حادث ذبح المصريين في ليبيا، وكان ذلك في مؤتمر مكافحة الإرهاب.


إن خطاب أوباما الأخير يكشف طريقته الممنهجة لغسيل عقول دول العالم.. ففي الوقت الذي خرج فيه الرئيس عبد الفتاح السيسي مخاطبًا المصريين بعد ذبح واحد وعشرين مصريًّا على أيدي داعش الإرهابية، وبعد أن وجه الرئيس أصابع الاتهام إلى دول غربية، على رأسها أمريكا التي بدأت عملًا في ليبيا ولم تكمله، خرج علينا أوباما ليبرّئ ساحته المدانة، وساحة الولايات المتحدة الأمريكية أمام العالم الذي بدأ ينظر إلى أمريكا بعين الريبة والشك.. ولذا فقد قمت بتحليل خطاب أوباما الأخير، ورصدت طريقته الممنهجة لعمليات غسيل العقول، وسأختار لحضراتكم بعضًا منها على مدى ثلاثة مقالات.

أولًا: ابدأ هجومك بالضربة القاضية:
لقد بدأ أوباما خطابه مستخدمًا العلاقة الاستفهامية؛ ليستنكر ما حدث، ولكن بخبث معهود، ولسان معسول، تحتوي أجزاؤه على جرعات السم النافذ، فكان سؤالًا بمعنى الإقرار:
"كيف يمكن لمسلم أن يقتل أخاه المسلم؟!".

بهذه البداية المسمومة استطاع أوباما أن يقود الرأي العام العالمي حسب البوصلة الأمريكية، التي تقر بأن ذبح المصريين تمّ على أيدي المسلمين، أي (منهم فيهم)، ومن ثم فإن أمريكا لا دخل لها فيما حدث.. ومن هنا كانت الطعنة الأولى التي طعنها للإسلام والمسلمين في بداية خطابه.. ثم استخدم بعدها مباشرة وسيلة تعد الأقوى بدون منافسة من حيث قوة الإقناع، ألا وهي وسيلة الاقتباس القرآني؛ إذ قال: "من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا".

وخبثه وسمه الزعاف هنا، يتمثل في أنه يستشهد بالآية القرآنية في سياق يسمح لغير المسلمين، ولغير المدركين بفهم الآيات القرآنية، يسمح لهم بالإسقاطات؛ حيث سياق الموقف هو الحديث عن المسلم الذي يقتل أخاه المسلم، وداعش - تنظيم الدولة الإسلامية - الذي ذبح المصريين، وبالتالي فهو يرشد العالم أجمع إلى أن المسلمين الذي يقتلون المسلمين – بناء على قرآنهم - إنما يقتلوننا جميعًا، وبالتالي فإن المسلمين هم مصدر الإرهاب ومصنعه، وليست أمريكا كما يزعم البعض. 

هذه كانت جرعة السم الثانية التي نفثها أوباما؛ طاعنًا بها الإسلام والمسلمين، وهذا يقودنا يقينا إلى أن أوباما يستعين في خطبه بفقهاء إرهابيين.

ثانيًا: رسخ أنك صاحب المعلومة يصدقك الآخرون:
من جديد عاد أوباما ينفث جرعات سمه المعسول في خطابه هذا؛ ليظل سندًا لجماعة الإخوان.. ولكي تسري هذه الجرعة في الجسد العالمي، ويسيطر على العقول فقد أخلّ بعلاقة الهيئة؛ حيث تعمد أن يكون غامضًا، وصاحب المعلومة؛ لتظل أمريكا هي سيد الموقف، والقائد الذي لا تجب مخالفته؛ فقال: "إن المتطرفين السابقين قادرون على قول الحقيقة حول الجماعات الإرهابية، وبالتالي فإن من تخلّوا عن هذه الأفكار، وأصبحوا معتدلين، هم أفضل من سيتحدث عن هذا التطرف.. هذه الأصوات لابد من تعظيمها وتسليط الضوء عليها، وعلى الحكومات أن تقوم بدورها".

إن الإنكار والتبرير آليتان دفاعيتان، لجأ إليهما أوباما ليعيد ثقته وتوازنه النفسي والشخصي، ومن ثم فإنه يعمل على إعطاء أسباب مقبولة بغرض إخفاء الحقيقة؛ حيث حاول أن يستعيد توازنه بعد خطوات السيسي الجادة في مكافحة الإرهاب وحده، نيابة عن الإنسانية، وكي يستعيد زمام الأمور مرة أخرى؛ فعمد إلى الغموض في قوله (إرهابيين سابقين).

والسؤال: من هم هؤلاء الإرهابيون السابقون؟ لا نعرف إلا أنهم نالوا صك الغفران الأمريكي، فأصبحوا (معتدلين).. وهنا أدان أوباما نفسه؛ لأنه أعلن معرفة أمريكا جيدًا بهؤلاء الإرهابيين قبل وبعد أن اعتدلوا.. والسؤال: أمريكا التي تعرف الإرهابيين، وتتتبع سيرهم، أليست قادرة على معرفة الدواعش ومن صنعهم؟!.. ثم استخدم أوباما وسيلة إقناعية خارجية، ليزيد من فرص تصديق كلامه، وهي أفعل التفضيل؛ عندما وصفهم بقوله (هم أفضل من سيتحدث عن هذا التطرف).. ثم قوّى من مفرداته المعجمية بـ (إنّ – أفضل – لابد من)، وهي أدوات تعكس لدول العالم ضرورة أن ينظروا إلى هؤلاء الذين تستضيفهم أمريكا بمزيد من الثقة.

ليس هذا فحسب، بل لابد من تعظيم دور هؤلاء، وتسليط الضوء عليهم، في إشارة ضمنية إلى وفد جماعة الإخوان الذي زار أمريكا مؤخرًا، رغم الهجوم المصري على أسباب هذه الزيارة، ومن ثم يجب أن تفتح دول العالم أبوابها أمام هؤلاء، وزاد تأكيده هذا بقوله: "ولذا علينا أن نعلي من صوت الاعتدال والسلام".

ثالثًا: شتت انتباه الرأي العام، واجذبهم ليدوروا في فلكك أنت:
لقد عمد أوباما إلى تشتيت الرأي العام العالمي، وخاصة الأمريكي، فيما يتعلق بموقف قطر من الإرهاب كراعية له وممولة كما أثبتت المواقف، وكما ارتفعت بذلك أصوات أمريكية مسئولة في الكونجرس، فقال أوباما: "وكخطوة أولى: على الحكومات أن تقطع التمويل الذي يحرّض على الكراهية ويفسد عقول الشباب".

وهنا نلحظ أن أوباما استخدم التخصيص؛ ليحصر الأمر فيما يخدم قطر ويبرّئها؛ فحدد التمويل في الحض على الكراهية وإفساد عقول الشباب، أما التمويل الخاص بتسليح قوى الإرهاب الداعشي فلم يقترب منه، وربما هذه المساندة تفسر لنا لماذا زار تميم أمريكا مؤخرًا، كما زارها الوفد الإخواني.

ولكي يثبت هذا التوجه، فقد سلط الضوء على مجهودات الولايات المتحدة بالتعاون مع دولة الإمارات؛ لإيجاد مقر من خلاله تتم معالجة الأفكار الدينية المتطرفة المسببة للإرهاب؛ حيث قال: "ولهذا السبب فإن الولايات المتحدة تنضم مع الإمارات في إيجاد مقر للتواصل لإيجاد منصة لرجال الدين لمواجهة العنف والإرهاب، وفي الحكومة الأمريكية أيضًا لدينا اتصالات وأيضًا مبعوث الحكومة الأمريكية للجماعات الإسلامية يقوم بدور هام".

ومن ثم فقد قام أوباما بجذب كل الحاضرين؛ ليدوروا في فلكه، ويسيروا على نهجه، ولذا جاءت الدعوة المباشرة لكل دول العالم في قوله لهم: "وأدعو دولكم للانضمام إلينا في هذا الجهد".

هذه بعض معالم طريقة أوباما في غسيل عقول دول العالم.. ومقال يوم الثلاثاء سنكشف كيف يغسل العقول ليستقطب الشباب، ويهدم عرش الحكام.
الجريدة الرسمية