الله يكون في عون الأغنياء
جملة قالتها إحدى السيدات جذبتني كثيرا في التفكير فيما وراءها.. السيدة تعدت الثمانين من العمر وقالت حين قام أحد بإهدائها كمية كبيرة من التفاح "إن الفقير يشتاق للطعام ويشتهيه ويتناول منه ما يشبع رغبته على الكاد ولا يملك إلا الأمل في الغد أن يشبع حاجاته، ويعيش على هذا الأمل، فإن نال ما يشتهي شعر بالسعادة واستمتع بها، ولكن الغني قادر على شراء كل احتياجاته فأمامه ما يريد وليس لديه أي أمل في الغد أن يحقق فيه شيئا، وليس لديه ما يشبع جوعه فقط وإنما لديه أيضا ما يزيد من إشباعه ويصل إلى التوقف حين يشعر بالألم ولم يعد يشتهي الأشياء؛ لأنها أصبحت متاحة، فالذي أشبع رغبته في الطعام وأمامه ما يزيد عليها، فإن تناول منها ما يزيد عما يحتاج ناله الألم ولا يأمل في الغد أن يحقق له إشباعا آخر، ولم يعد ينظر إلى الطعام كما كان ينظر إليه من قبل".
كان هذا هو التفسير الفطري لثمانين عاما من الخبرة، وكم منا من يجتهدون في التفسير لماذا ملأ حياة الكثيرين الملل إما لقلة أهدافنا في الغد وإما لرضائنا بما حققناه من قبل، وفي الحالتين فإننا نقضي أيامنا في ملل نعاني منه نهرب منه بالخروج من البيت، ولكننا نجد أنفسنا في سجن كبير مع أننا في طريق واسع وخالٍ من الهواء مع أننا على ساحل البحر.
يطول مع الملل الزمان ونهرب من اليقظة إلى النوم؛ هربا من اللا وجود، إذ يرتبط الوجود بنزعة النفس نحو تحقيق الذات، وهو ما يكمن في رؤية إنسان يختلف في الغد للأفضل، ولما سيحققه غدا عما قد حققه اليوم.
إن هذا ما يلفت نظرنا إلى نقطة مهمة وهي أن الإنسان في حد ذاته يرفض نفسه اليوم، إذا جاء الغد، ويرفض نفسه بعد الغد إذا قبل نفسه بالغد.
إذًا كل يوم هو كيان مختلف يهدف إلى تحقيق آماله، هذا ما يعكس لنا نقطة مهمة وهي تقبل الإنسان للنقد فاليوم الذي يظن الفرد نفسه كاملا ينظر إلى نفسه في اليوم التالي ناقصا.
لابد أن يعرف أن قراره لا يكتمل ولن يكتمل وأن عليه أن يتقبل نقد الآخرين ورؤيتهم معه له، أما من يرفضون تقبل النقد ويرفضون الاختلاف فلا يعترفون بأنهم يتغيرون ولا يؤمنون إلا بوجهة نظرهم تجاه الآخرين ولا يتوقعون حتى فيهم التغير.
إنهم بذلك يعاكسون المنطق؛ لأن كلاهما منطقيا في حياتنا يتغير.