رئيس التحرير
عصام كامل

الذين تآمروا على خطاب السيسي!


فيما يبدو أن الجدل دار في الرئاسة عن الطريقة التي يتم بها تقديم خطاب الرئيس السيسي للناس.. وأن الحال استقر على الابتعاد قليلا عن الشكل التقليدي لخطب الرؤساء التي تتسم بالجدية والرسمية المطلقة.. أراده السيسي لقاءً عائليا بسيطا.. حديث من قلب الرئيس إلى قلوب أبناء شعبه.. لكن جاء إخراج الخطاب تلفزيونيا على عكس ما أرادوا، فلم يفهم القائمون على الإخراج أن فكرة كتلك لابد أن تكون البساطة عنوانها.. والبساطة تقترب بالرئيس من الناس وليس إلى لغة السينما والفيديو كليب.. وأن الملامح وتعبيرات الرئيس وصدقه فيما يقول هي المحتوى الأساسي للهدف المنشود!


وقبل الخطاب بساعات، أصدر وزير المالية قرارا برفع الأسعار على كل أنواع السجائر.. وبلغة أهل الاقتصاد فالسجائر سلعة غير مرنة.. أي لا بدائل لها.. فاستبدالها مستحيل والإقلاع عنها صعب للغاية، ولا حل إلا قبول الزيادة بالإكراه، وهو ما جعل ملايين المدخنين يشاهدون خطاب الرئيس وهم غير مصدقين لفكرة انتصار الدولة لفكرة السيطرة على الأسعار وعدم وصولها إلى الخطوط الخطرة.. ورغم أن أغلبهم من أنصار السيسي لكنه اضطر لوضع قلبه وعقله في جانب وقرار الوزير في الجانب الآخر.. ورغم تفهمنا لفلسفة الزيادة وللمصارف التي ستتجه إليها لكن كان من الممكن ومن الأفضل إبعاد القرار عن يوم الخطاب.. فتقديمه عدة أيام - مثلا - كان سيفصل بين الأمرين، وسيتم استيعابه وسيجعله مناسبة مريرة عند المدخنين.. ثم الخطاب باعتباره مناسبة طيبة عند أنصار السيسي منهم!

ورغم أن أمس مرت ذكرى الوحدة مع سوريا، ورغم إدراكنا لتشابك الموقف العربي حول سوريا واختلاطه وتعقده، ورغم اليقين من دعم السيسي لسوريا ضد الإرهاب وضد المؤامرة عليها حتى لو بغير الإعلان عن ذلك، ورغم أن السيسي تكلم في ذكرى الوحدة عن الجيش العربي الواحد ورغم تفهمنا لفكرة الرمز - كما قلنا في مقال الأمس - اختيار السيسي ليوم الوحدة تحديدا لإلقاء خطابه، كما اختار برج القاهرة للقاء بوتين، إلا أن كان لمستشاريه أن يضيفوا إلى الخطاب حتى لو عبارة واحدة لتحية ذكرى الوحدة مع سوريا باعتبارها على الأقل - على الأقل - أول تجربة حية للوحدة العربية الشاملة في خطاب يتحدث فيه الرئيس عن وحدة العرب!

وأما عن الحديث عن المعتقلين فالإقرار الصريح بوجود أبرياء في السجن ورغم أنهم على ذمة قضايا وليسوا رهن الاعتقال الإداري، وبالتالي فإن أمرهم بيد القضاء وحده إلا أن عداد الألم والإحساس بالظلم بدأ العد والحساب بعد اعتراف الأمس بأثر رجعي.. وكان الأفضل إما الإفراج الفوري باعتبارهم أبرياء وباعتراف رئيس البلاد وتكييف ذلك قانونا وهذا أفضل وأرحم جدا من الإقرار بوجود أبرياء في السجن!.. أو التأكيد على الوعد بانتهاء حالات فحص المسجونين بأسرع وقت ممكن وإنهاؤه قبل الخطاب القادم.. أما الاعتراف فكان سيد الأدلة من رئيس مهذب لا يعرف المراوغة.. ولكن هنا يطل دور المستشارين والمساعدين، وفيما يبدو أنهم من تسببوا دون قصد طبعا بـ "التآمر" على خطاب جيد كان من الممكن شكلا ومضمونا أن يكون أفضل مما كان عليه!
الجريدة الرسمية