رئيس التحرير
عصام كامل

«خونة صدام حسين».. حصلوا على ملايين الدولارات مقابل رأس الرئيس العراقي.. ابن عمه أعطى أوامر للجيش بالانسحاب من شوارع بغداد وطلب حماية واشنطن.. حارسه الشخصي أرشد قوات المارينز عن مخبئه


في مشهد يصعب على أي مسلم أو عربي نسيانه، أُعدِم الرئيس العراقي صدام حسين.. نزفت القلوب ودمعت الأعين.. ففي أول أيام عيد الأضحى.. نفذت الولايات المتحدة الأمريكية حكمها عليه بالإعدام غير مكترثة بمشاعر المسلمين أو لقانون العقوبات العراقي الذي يحظر تنفيذ حكم الإعدام خلال العطل الدينية.


كان صدام بمثابة ذبيحة أرادوا التضحية به والانتقام منه، غلبت عليهم الرغبة في التشفي والانتقام، واكتفت منظمات حقوق الإنسان بوصف قرار تنفيذ الإعدام عليه بـ «المتسرع».

في 30 ديسمبر عام 2006، وقف الرئيس العراقي أمام المشنقة على مرأى ومسمع العالم كله، يتفاوض مع الحراس بشأن الطريقة التي سيتم إعدامه بها، رفض ارتداء قناع يغطي وجهه، ورفض أخذ حبوب مهدئة عرضوها عليه، وكان طلبه الوحيد هو ارتداء معطفه، مؤكدًا أن السبب في ذلك هو أن الجو في العراق يكون باردًا ليلًا، ويخشى أن يراه الشعب العراقي يرتعش فيعتقدون أن زعيمهم خائف من الموت.

ظل صدام مختبئا فترة طويلة، شاعت خلالها الأقوال حول وفاته، خبأه محبوه وعشاقه في أحضانهم بعيدًا عن الجيش الأمريكي، ولكن الخيانة لم تستطع رؤية كل هذا الحب والشعبية، فخرجت عن صمتها وقررت أن تسيطر على قلب وعقل أقرب الأقربين إلى صدام.

فقد ترددت الأقوال حول تسرب الخيانة إلى صفوف عائلة صدام، إذ أعطى ماهر سفيان التكريتي - ابن عم صدام حسين - الذي شغل منصب معاون قائد الحرس الجمهوري، أوامره إلى قطاعات الجيش المرابط حول بغداد، بالانسحاب من ساحة المعركة والذهاب إلى بيوتهم.

وقد أكد عباس الجنابي، سكرتير صدام حسين الشخصي، عقب فشل العراق في التصدي للغزو الأمريكي، أن اتصال الأمريكان بـ «ماهر التكريتي» بدأ قبل الحرب بخمسة أشهر تقريبًا، وذلك حينما أرسلت واشنطن عدة رسائل إلى ضباط كبار في النظام أو خارجه تدعوهم إلى التعاون معها في سبيل إسقاط النظام، مشيرًا إلى قيام هؤلاء الضباط بتسليم الرسائل إلى صدام حسين.

وجاءت تلميحات واشنطن قبل غزو العراق حول اختراقها الحلقات العليا في النظام، كدليل مؤكد على خيانة ماهر التكريتي، باعتباره كان أكثر المسئولين في النظام اقترابًا من صدام حسين.

هذا بالإضافة إلى مطالبة التكريتي الأمريكان بتوفير الحماية الكاملة له ولعائلته أثناء اندلاع الحرب، ولهذا ادعت واشنطن أن ماهر التكريتي قتل أثناء القصف، وهذا الادعاء هو جزء من عملية حمايته ونقله مع عائلته بواسطة طائرة (سي 130) إلى قاعدة أمريكية مجهولة.

لم يكن ماهر التكريتي هو الخائن الوحيد لصدام حسين، فقد تسلم ضباط آخرون مثل هذه الرسائل وعقدوا صفقات سرية معها مثل عبد الرشيد التكريتي، وهو أحد أقارب صدام حسين، وقد قام بدور مهم في إطلاع الأمريكيين على تحركات الجيش العراقي وقوات فدائيي صدام وجيش القدس.

وهناك رواية أخرى تتحدث عن خائن آخر لصدام، هو محمد إبراهيم - حارس صدام الشخصي - له عن طريق إرشاد القوات الأمريكية عن مكان اختبائه، وذلك عقب إلقاء القبض عليه في الثالث عشر من ديسمبر ٢٠٠٦.

وكان للجيش الأمريكي السابق في طبخ هذه الرواية فوفقًا لحديث إيريك مادوكس، المُحقق في جهاز مخابرات الجيش الأمريكي والمسئول عن استجوابه، فإن محمد إبراهيم - الحارس الشخصي لصدام حسين، أنكر في البداية معرفته بصدام لكن بعد إخباره بالقبض على 40 شخصًا من أقاربه وسرد أسماء 30 آخرين وتهديده بمداهمة كل منزل من منازل أقاربه، اختار فورًا الإرشاد عن مكان صدام.

هذا بالإضافة لرواية الخيانة التي صبغت بالصبغة الكردية، وكان بطلها أحد القادة الرئيسيين السريين في قوات البشمركة، كان زعيم حزب كردي معارض بشدة لصدام يُدعى «علي كسرت رسول».

وعندما تجتمع الخيانة والكراهية يجب أن نذكر «علي كسرت رسول»، الذي قرر أن يخرج عن صمته، ويؤكد من خلال العديد من الصحف ووسائل الإعلام العربية والأجنبية، أنه استطاع وبمساعدة قبيلة صدام التي كانت تعيش في العوجة، الوصول إلى مكان اختباء الرئيس العراقي الأسبق ومَنْ يزوّدهم بالغذاء، مشيرًا إلى أن الأكراد هم مَنْ أعطوا الأمريكيين المعلومات الدالة على مخبأ صدام في الريف شمال تكريت بالقرب من منطقة الدورة حتى يتمكنوا من إلقاء القبض عليه.

وأخيرًا جاءت تأكيدات السفير الروسي لدى نظام صدام، حول أن هناك قرابة خمسين ضابطًا كبيرًا معظمهم من الحرس الجمهوري خانوا نظام صدام مقابل 5 ملايين دولار، وأن الاستخبارات الأمريكية كانت لها اليد الطولى في الغزو الذي تعرض له العراق عام 2003.

وعلى إثر هذه الخيانات، ألقت القوات الأمريكية القبض على صدام حسين وبعض أعوانه بتهمة الإبادة الجماعية في قضية الدجيل، وتم تغيير القضاة ثلاث مرات.

وفي يوم الأحد الخامس من نوفمبر لعام 2006م حكم على صدام حضوريًا في قضية الدجيل بالإعدام شنقًا حتى الموت، وذلك على الرغم من رغبته التي أبداها خلال جلسات المحاكمة في أن يتم إعدامه رميا بالرصاص في حال صدور حكم بإعدامه، جاء هذا الحكم بتهمة ارتكابه جرائم ضد الإنسانية، وتمت محاكمته برفقة عدد من أعوانه في قضية تخطيط وتنفيذ حملة الأنفال التي راح ضحيتها الآلاف من الأكراد.

نال هذا الحكم استحسان الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، وهو ما بدا واضحًا في ردود الأفعال حول هذا الحكم، حيث قالت محكمة التمييز العراقية إن الحكم بإعدام صدام ينبغى أن ينفذ خلال الأيام الثلاثين المقبلة، بينما قالت الرئاسة العراقية إن تنفيذ حكم الإعدام لا يستلزم موافقتها.

وسطرت نهاية الأسد العجوز، صدام حسين، عندما دفن صدام بمسقط رأسه بالعوجة في محافظة صلاح الدين في مدينة تكريت؛ حيث قامت القوات الأمريكية بتسليم جثمانه لعشيرته من المحافظة.

وأقام ذووه عليه مجالس العزاء بما فيهم ابنته رغد صدام حسين، التي قامت بتأبينه في الأردن حيث تقيم في العاصمة عمان، ولن ينسى العراقيون العميل الأكبر وهو الشيعي أحمد جلبي، الذي دخل العراق على فوهة المدرعات الأمريكية.
الجريدة الرسمية