رئيس التحرير
عصام كامل

« كل خائن جاسوس».. الرئيس السادات أمر بتنفيذ حكم الإعدام في الجاسوسة هبة سليم في اليوم الذي طلب كسنجر تخفيف الحكم.. انشراح وإبراهيم السقوط في بئر الخيانة مقابل دولارات الصهاينة


تجردوا من كل مشاعر الوطنية.. ونسوا أو تناسوا أن الوطن أغلى من النفس يفديه الإنسان بروحه.. كسبوا أموالًا كثيرة لكنهم خسروا أنفسهم وظل العار يلاحقهم ويلاحق عائلاتهم أينما حلوا.. مدوا أياديهم لأياد ملطخة بدماء أهلهم وذويهم وتعانوا مع محتل اغتصب الأرض وهتك العرض.. ذهبوا إلى مزبلة التاريخ بلا رجعة لكن ذكراهم تحمل ألما في نفس كل وطنى غيور على أرضه ودينه وعرضه.. إنهم جواسيس إسرائيل في مصر والذين نجحت المخابرات المصرية في كشفهم وفضحهم.


هبة سليم
تلك الفتاة المدللة التي أقنعت والدها بالسفر إلى باريس عام 1968 لاستكمال دراستها الجامعية، لتلتقى صديقتها البولندية ذات الأصل اليهودى، والتي نجحت في تجنيد سليم لصالح الموساد الإسرائيلى، وكانت مهمتها العبث بعقول الطلاب العرب في باريس حتى يؤمنوا بأن الإسرائيليين شعب يكره الحرب ولا يريدون إلا الحياة في سلام، والأمان لهم ولأجيالهم القادمة.

مهمتها الأولى تحولت إلى أخطر المهام في تاريخ الجواسيس، بعد أن تذكرت هبة ذلك المقدم الذي كان يلاحقها في نادي الجزيرة، المقدم مهندس فاروق عبد الحميد الفقى الضابط في الجيش المصري، موقعه الحساس وزياراته المتكررة لجبهة القتال، جعلا منه صيدًا ثمينًا، لتعود هبة سليم إلى القاهرة لغرض واحد أن تصبح خطيبة المقدم، وهذا ما حدث بالفعل.

ولأنه يحبها ويرغب في إثبات أنه ليس أقل أهمية منها بكل ما تمتلكه من ثقافة، وجه لها الدعوة لزيارته في منزله ليكشف لها بالخرائط عن أماكن تواجد قواعد الطائرات المصرية، والتي ترسل بها تباعًا إلى ضابط الموساد الإسرائيلى، وتضرب قواعد الطيران واحدة تلو الأخرى قبل استكمال بنائها، ونجحت المخابرات المصرية في الوصول إلى سر ضرب القواعد، ونصبت فخًا للقبض على هبة بعد اعتقال خطيبها، وكان الفخ بمساعدة والدها، ليلقى القبض عليها في مطار طرابلس بعد أن أقنعها والدها أنه تعرض لذبحة صدرية أثناء عمله في طرابلس.

قدمت هبة للمحاكمة، والتي قضت بإعدامها، وفشلت محاولات وزير الخارجية الأمريكى حينها هينرى كسينجر، للتوسط بإيعاز من جولدا مائير، رئيس وزراء إسرائيل، لدى الرئيس الراحل أنور السادات، لتخفيف الحكم على هبة، إلا أن السادات أمر بتنفيذ حكم الإعدام شنقًا في نفس اليوم الذي طلب منه كسينجر تخفيف الحكم عليها.

السقوط في بئر سبع
زوجان أغوتهما دولارات إسرائيل الوفيرة، في حين أن مرتب الموظف حينها لم يزد على 17 جنيهًا، طرد إبراهيم سعدى ابن العريش من وظيفته في مكتب الحاسابات بعد تلقيه رشوة، ليعود إلى زوجته ابنة المنيا انشراح موسى، يلعن ظروفه الصعبة، ومع حلول النكسة واجتياح إسرائيل سيناء، كانت بداية الخيانة، عندما نشطت المخابرات الإسرئيلية تبحث عن أي شخص يبيع وطنه، ووجدت ضالتها في إبراهيم، عرضت عليه بالسفر إلى القاهرة ليعيش هو وزوجته وأولاده الثلاثة بعيدًا عن أجواء الحرب، مقابل أن يبلغها بأسعار الخضار والفاكهة في القاهرة، فوافق على الفور وزاد عليها كل المنتجات من نفسه.

نجح إبراهيم في الاختبار الأول، ليرسله الضابط الإسرائيلى إلى بئر سبع، ليتلقى التدريبات اللازمة، ويعود لزوجته بـ1000 دولار، لتفرح بما اتاها وتبرر لزوجها فعلته بأن أي أحد في ظروفه سيفعل ذلك، وطلبت منه أن تشاركه العمل وتقرأ رسائله بالحبر السرى قبل إرسالها إلى إسرائيل.

يزور الزوجان إسرائيل، ويترددان على روما ليحصلا على أحدث كاميرا يصوران بها المعسكرات المصرية والمصانع الحربية ومواقعها وترسل إلى إسرائيل، ويعرف الأبناء الثلاثة الحقيقة ويبلغهم أبواهم أن إسرائيل هي السبب في كل ما هم فيه من ثراء ليتنافس الأبناء في الحصول على المعلومات وإرسالها كذلك إلى إسرائيل.

بعد عام 1973، حرصت إسرائيل على زرع جهاز لإرسال الرسائل بسرعة حتى تعرف إذا ما كان السادات ينوى خوض حرب جديدة، ونجحت المخابرات المصرية في التقاط موجات الجهاز لتلقى القبض على إبراهيم وأولاده، وزوجته بعد يومين فور عودتها من روما حينما كانت تحضر بعض قطع الغيار لجهاز الإرسال، نفذ حكم الإعدام في إبراهيم بعد محاكمته، أما انشراح فسجنت ثلاث سنوات، لتنجح بعدها في السفر إلى إسرائيل من خلال صفقة لم يعلن عنها، وبرفقة أبنائها الثلاثة تعتنق الديانة اليهودية، وتدخل إلى إسرائيل وتغير اسمها إلى دنيا بن ديفيد، الاسم الحركى لها في إسرائيل، وما زالت تعيش بإسرائيل حتى الآن.

طارق عبد الرازق.. جاسوس تحت الطلب
طارق عبد الرازق.. الجاسوس الذي ذهب بنفسه إلى الموساد يطلب منهم العمل، بكامل رغبته، وعبر موقع يسمى «سنارة»، تقدم بأوراقه باحثًا عن عمل بعد أن ضاقت به سبل العيش في مصر وفى الصين.

كان يحلم بأن يكون النمر الأسود كلما شاهد فيلم الراحل أحمد زكى، وبالفعل سافر إلى الصين للحصول على شهادة علمية في مجال الكونغ فو وعاد إلى مصر عام 1994، ليكتشف أن اللعبة دون جمهور ودون محبين، ولا داعى للعمل بها، يتخبط في أعمال أخرى دون جدوى، وفى عام 2006 يقرر العودة إلى بكين بعد 12 عامًا، لتبدأ القصة.

ظل أربعة أشهر يبحث عن عمل دون طائل، وعندما قاربت تأشيرته على النهاية، حسم أمره وتوكل على خياله ليرسل سيرته الذاتية إلى الموقع الإسرائيلى، وبالفعل يتلقى اتصالًا من ضابط الموساد جوزيف ديمور، أحد عناصر المخابرات الإسرائيلية، والتقيا بالهند بمقر السفارة الإسرائيلية، وتم استجوابه عن أسباب طلبه للعمل مع جهاز الموساد ثم تسليمه 1500 دولار مصاريف انتقالاته وإقامته.

وكانت بداية تجنيده عندما وضع على جهاز كشف الكذب ليجيب عن هذا السؤال «بتحب مصر يا طارق ولا بتكرهها؟»، ليجيب بعد تفكير « بحبها بس بكرهها على اللى بتعملوا فيا»، وكانت الجملة إيذانًا بالنجاح وبداية العمل مع الموساد في الملف السورى، وطلب منه إنشاء موقع إلكترونى، مقره الصين، يطلب مجموعة من الشباب السوريين العاملين في مجال الحلويات والزيتون، حتى تنتقى منهم المخابرات الإسرائيلية ما تريد لتجنده.

كانت تل أبيب تسعى لـ تجنيد سوريين جدد بعد أن قارب عميلها في المخابرات السورية على التقاعد بعد أن خدمها 15 عامًا، وبدأ طارق يتردد على سوريا ويرص كل ما يقابله ويرسله من خلال الحاسب الآلى الذي تلقاه من المخابرات الإسرائيلية، بالاعتماد على التدريبات التي تلقاها في تايلاند، وكمبوديا ولاوس ونيبال، وبواسطة برنامج آلى مشفر يستخدم كأداة للتخابر والتراسل مع الموساد دون أن تكشف أمره الأجهزة الأمنية في أي دولة.

وتلقى طارق، مبلغ خمسة آلاف دولار أمريكى قيمة مصاريف إنشاء شركة استيراد وتصدير مقرها دولة الصين وكلفه ضابط الموساد الإسرائيلى، الذي تولى تدريبه، أيدي موشيه، بإنشاء عنوان بريد إلكترونى عبر شبكة المعلومات الدولية على موقع «هونج كونج» باسم حركى «خالد شريف» بصفته مديرًا لتلك الشركة، حتى يتمكن من مقابلة كل من تقدم من الشباب السوريين عبر الموقع الوهمى.

قبض على طارق عام 2010، وهو يحاول السفر من مطار القاهرة إلى الصين، وعثر بحوزته على جهاز حاسب آلى محمول و»فلاش ميمورى» سبق أن تسلمهما المتهم الأول من جهاز المخابرات الإسرائيلية، بالإضافة إلى وسيلة إخفاء عبارة عن حقيبة يد لحاسب آلى محمول تحتوى على جيوب سرية بغرض استخدامها في نقل الأسطوانات المدمجة والأموال، كما تم ضبط ثلاثة أجهزة تليفون محمول والمستخدمة من قبل المتهم الأول في اتصالاته، وتبين من الفحص الفنى لجهاز الحاسب الآلى المحمول و«الفلاش ميمورى» اللذين ضبطا بحوزة المتهم أنهما يحتويان على ملفات تحمل معلومات سرية تولى المتهم الأول تسليمها للمخابرات الإسرائيلية، ووسيلة إخفاء متطورة وعالية التقنية هي حقيبة يد مخصصة لجهاز حاسب آلى محمول بها مخبأ سرى، ولا يمكن كشفها سواء بالفحص الظاهرى أو باستخدام أجهزة الفحص الفنى بالأشعة السينية، وتستلزم خبرة فنية عالية لا تتوفر إلا في أجهزة أمنية.

وبعد استجوابه اعترف بدوره في التواصل مع العميل السورى، وتم إبلاغ المخابرات السورية بعميلها السرى لصالح الموساد، الذي دل إسرائيل لمدة 15 عامًا عن معلومات عن الملف النووى السورى وكان ضمن الوفد العسكري الذي سيسافر إلى كوريا الشمالية، لولا تدخل المخابرات المصرية واتصالها بنظيرتها السورية.
الجريدة الرسمية