سر الشيخ المنصور
عندما وطأت قدماي ساحة الحسين في احتفال الليلة الختامية قبل أيام بصحبة مجموعة من أصدقائي انتابتني حالة من الدفء أزالت برودة الجو التي أجبرتنا على حمل كل ما ثقل وزنه من ملابس.
هي نفسها مشاعر الدفء التي استقبلني بها العالم الجليل الدكتور سيد عويس عميد علماء الاجتماع في شتاء عام 1988 قبل وفاته بشهور في شقته بالعجوزة، وقد أبهرني حديثه عن الموالد وكيف أنها تعكس موروثات شعب وترسم فلسفته للأشياء ورؤيته للحياة.
تذكرت ما قرأته في مؤلفاته التي أهداني إياها عندما شاهدت هذه الحالة الفريدة من التحام آلاف البشر من كل الطبقات والثقافات.. تجمعهم سعادة داخلية تنعكس على وجوههم التي لا يبدو عليها التعب رغم الزحام وإجهاد السير وسط كتل البشر، الذين ترنو أعينهم نحو مئذنة الحسين وقد تزينت وكأن الأضواء التي لا تكف عن الحركة في كل اتجاه تخاطب آلاف الأعين التي تحدق بها فتزداد بهجتهم.
ورأيت الشخصية المصرية المتعلقة بالموالد وعشق آل البيت والأولياء الصالحين، والتي تناولتها مؤلفات عالمنا الجليل عندما تجمعنا حول الشيخ محمد المنصور بملامحه السمراء بلون أبناء أسوان الطيبة.. ومديحه العذب للرسول وآل بيته الذي ملأ سماء شارع المعز، وأخذ الحاضرين في جولة روحانية نسى فيها الجميع كل ما كان يثقل أذهانهم وقلوبهم من هموم ومتاعب الحياة.
وبدأ ضوء النهار يزاحم أضواء المولد المبهرة.. وهبط الصباح على شوارع القاهرة الفاطمية "وكأنه هدية السماء للأرض" - كما وصفه المبدع يوسف إدريس في إحدى قصصه.. وقد تسللت إلينا سعادة غريبة لم أجد تفسيرا لها وقررت العودة لقراءة ما كتبه الدكتور سيد عويس لعلي أكتشف السر.