رئيس التحرير
عصام كامل

حتى لا ننساق


باتت مصر ليلة بالغة الصعوبة بعد نشر فيديو مقتل 21 مصريا على يد تنظيم داعش الإرهابي على الأراضي الليبية، الأمر الذي أصاب المصريين بالحزن الشديد والغضب والرغبة في الثأر من هؤلاء الإرهابيين الذين لا يعرفون دينا أو وطنا أو إنسانية. ولم تمض أربع وعشرين ساعة على هذا الحادث المؤلم إلا وقام سلاح الطيران بالقوات المسلحة المصرية بقصف تنظيم داعش ومخازن السلاح والذخيرة في ليبيا مما أدى إلى مقتل عدد كبير من أعضاء هذا التنظيم، وهي الضربات التي أعادت الروح للمصريين وأعادت الإحساس بالكرامة والعزة وعمقت الفخر بقواتنا المسلحة وأكدت استعدادها دوما الدفاع والحفاظ على مصر والمصريين.


وحتى لا ننساق وراء المغرضين الذين يشككون أن هذه الضربات لم تصب تنظم داعش أو معاقله وأنها أصابت أهدافا مدنية وأدت إلى خسارة في أرواح مدنيين أبرياء، جاء الرد القاطع من الرئيس السيسي أن الأهداف التي تم ضربها هي أهداف محددة ومرصودة منذ أشهر وليست أهدافا مدنية. وكذلك من يشككون أن هذه الضربات هي اعتداء على الأراضي الليبية، لا يعلمون أن الجيش المصري على مدى تاريخه لم يكن قط جيشا معتديا بل كان دوما مدافعا عن الأرض وضد أي اعتداء أو هجوم سواء على الأراضي المصرية أو باشتراكه مع دول عربية في مهام محددة للتحرير أو للدفاع عنها، وهو ما أكده الرئيس السيسي أيضا، وأن هذه الضربات جاءت بالتنسيق مع الحكومة الليبية الشرعية وبالتنسيق مع الجيش الليبي النظامي، بل ثمنت الحكومة الليبية دور مصر في مساندة الجيش الليبى ضد الإرهاب والتطرف، ودعت مصر إلى الاستمرار في توجيه ضربات جوية عسكرية لأوكار التطرف والإرهاب في ليبيا، بعد التنسيق مع القيادة الليبية ضمن عمليات مشتركة مع سلاح الجو الليبى وذلك بعد تنامى الإرهاب هناك وتأثيره الخطير على دول الجوار والمنطقة والقارة الأوربية في ظل ازدواجية معايير المجتمع الدولى وصمته عما يحدث.

وإذا لم تقم القوات المسلحة بهذه الضربات الجوية كان المجتمع الدولي سينتفض ويتخذ من التدابير اللازمة التي تعيد الحق لأصحابه وتنزل العقوبات على التنظيم الإرهابي، الحقيقة ليست كذلك فقد رفض مجلس الأمن في 31 يناير 2014 وفي 16 فبراير الحالي إصدار حتى مجرد بيان رئاسي بشأن الإرهاب والعمليات الإرهابية التي تحدث في سيناء وليبيا، واكتفى فقط بإصدار بيانين إعلاميين وهي أقل درجة من درجات استجابة مجلس الأمن. 

لذلك كان التحرك الدبلوماسي المصري بطلب عقد جلسة طارئة في مجلس الأمن بشأن ليبيا بعد ساعات قليلة من بث الفيديو المتعلق بتلك الجريمة البشعة، وذلك لإطلاع المجتمع الدولي على تدهور الأوضاع في ليبيا وما يستتبعه ذلك من تهديدات ومخاطر أمنية كبيرة تتعرض لها مصر باعتبارها الدولة المجاورة، وكذا الطلب المصري من المجتمع الدولي بالقيام بمسئولياته لدعم للمؤسسات الشرعية المنتخبة في ليبيا، ورفع حظر السلاح عن الجيش الليبي الوطني وتنفيذ الحظر البرى والبحري والجوي على الميليشيات الإرهابية.

وتأتي هذه الخطوة الدبلوماسية المصرية موازية لجهود القوات المسلحة على الأرض تحقيقا للأمن القومي المصري، ودفاعا شرعيا عن النفس الأمر الذي كفلته المادة 51 في الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة. ومع كل الإدانات الدولية لذبح المصريين في ليبيا على يد تنظيم داعش الإرهابي، ونقد الولايات المتحدة للضربة المصرية باعتبار أنها جاءت دون تنسيق معها وتأكيدها في بيانها أهمية الحل السياسي للأزمة في ليبيا، يكون الرد على ذلك بأنه لم يحدث تنسيق مع مصر عندما أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية قواتها إلى أفغانستان، ولم يكن هناك تنسيق مع مصر عندما غزت الولايات المتحدة العراق في 2003، ولم يكن هناك تنسيق مع مصر أيضا عندما وافقت الولايات المتحدة مع حلف الناتو على توجيه ضربات جوية على ليبيا في 2011 للقضاء على معمر القذافي، ولم يكن هناك تنسيق مع مصر في رفض الولايات المتحدة والغرب تشكيل تحالف دولي في ليبيا، والاكتفاء بالتحالف الدولي القائم في العراق وسوريا.

وبالتأكيد على أهمية الحل السياسي في ليبيا الذي ترعاه الأمم المتحدة من خلال مبعوثها إلى ليبيا برنادينو ليون، وعلى الرغم من عقد ثلاث جولات من الاجتماعات إلا أنها لم تسفر عن أي نتيجة ملموسة على الأرض، بل على العكس زادت قوة وتواجد التنظيمات الإرهابية في ليبيا وانتشرت على أراضيها مع وجود تسليح ودعم لوجستي وعسكري لها واشتد الصراع بينها وبين القوات النظامية الليبية التي يطبق عليها المجتمع الدولي حظرا على السلاح في عملية " كر وفر" في كثير من المواقع.

ومع أهمية مشروع القرار المصري في مجلس الأمن والذي يحظى بتوافق دولي واسع النطاق، باستثناء دويلة واحدة عربية، للأسف، (قطر) لم تستطع إخفاء العداء والاعتراض على أبسط الحقوق المصرية بالدفاع الشرعي عن النفس وخرجت من الإجماع العربي على العمل العربي المشترك ضد الإرهاب وكفالة حق الدفاع الشرعي، لا يمكن توقع نتائج الجلسة التي عقدت في مجلس الأمن لأنها مرهونة بتشاورات الأعضاء، إلا أنه من المهم الاستمرار في توجيه الضربات العسكرية للمجموعات الإرهابية في ليبيا مع التحرك على مستوى المجتمع الدولي لتأكيد مسئوليته لاتخاذ الإجراءات والتدابير للتعامل مع الأوضاع الخطيرة في ليبيا التي تهدد ليس مصر فقط بل العالم ككل.

الجريدة الرسمية