«فخ ليبيا».. مخطط أمريكي للسيطرة على الواحات والفيوم والمنيا وأسيوط.."الموساد" يزرع 180 ألف جهادي على الحدود.. تقرير أمريكي يكشف تورط واشنطن في دعم وتمويل الجماعات الجهادية في ليبيا
تدير الولايات المتحدة الأمريكية شبكة مصالحها بمنطق "بندول الساعة".. تتحرك في اتجاهين.. تضرب بقوة في اليمين.. وتعود لليسار لتهز أركانه بالقوة ذاته.. وتدرك واشنطن أيضا أن "توقفها عن التأرجح" بين اليمن واليسار يعني نهايتها، لهذا، ودون أن تدري، باتت "قاب قوسين أو أدنى" من خسارة "متعة التوقيت" بعدما أصبحت مطالبة بالتأرجح و"الدق بقوة" في اتجاهات جديدة لا يعترف بها "منطق الوقت" أو "قوانين الحركة".
ليبيا واحدة من الاتجاهات التي ظلت واشنطن تدق عليها بقوة، حاولت التوصل لـ"صيغة تفاهم" مع الراحل "معمر القذافي"، لكنها فشلت.. بحثت عن سيناريو آخر يتمثل في "إرهاق الحاكم الدكتاتور" وعندما لاحق الفشل السيناريو الثاني لم تجد إلا "التدخل بقوة السلاح" وقد كان.. رحل "القذافى" واستطاعت أمريكا فرض "سيناريو الفوضى" في الجماهيرية.
من الممكن أن يكون لدى عدد من "صناع القرار" في العالم خلفية جيدة، وقراءة أكثر جودة للمشهد الذي يدور في ليبيا، غير أن تلك القراءة، حتى وقتنا الحالي، يبدو أنها "لم تؤت أكلها"، وهو أمر كشفته حالة "عدم الانزعاج" التي تسيطر على غالبية الأنظمة السياسية، مع استثناء النظام المصري، الذي يدرك جيدا أن "كرة اللهب" التي اشتعلت على الأراضي الليبية، شاء أم أبى، ستتدحرج على أرضه قريبا جدا، وفقا لـ"مسار تحركها" الذي تم تحديده في وقت سابق.
"ذبح 21 مصريا على الأراضي الليبية على يد عناصر متطرفة من تنظيم داعش" الخطوة التي أكدت أن "مخطط الفوضى" لن يقف عند الحدود الغربية لمصر، لكنه سيمتد لـ"الداخل"، وسيعلن عن تواجده بقوة، خاصة أن المواجهات المحتدمة في سيناء أرهقته (بدنيا ولوجستيا) لهذا بدأ في تنفيذ سيناريو "الجبهات المتعددة".
خطورة الحدود الغربية
"واقعة الذبح" لم تكن الضوء الأحمر الوحيد الذي لفت انتباه القيادة المصرية لـ"خطورة الحدود الغربية"، فقد سبقها أيضا عدة وقائع، تزايدت حدتها بعد رحيل نظام "مبارك"، وأحداث 25 يناير، وبرزت بشدة في حادث "كمين الفرافرة" الذي راح ضحيته 21 شهيدا من جنود القوات المسلحة، وتناثرت أنباء وقتها، تشير إلى أن الجماعات المتطرفة تفرض سيطرتها على مناطق كبيرة في الصحراء الغربية، وهو أمر قابله الجانب المصري بدفع مزيد من التعزيزات العسكرية، ورفع كفاءة التسليح لـ"الكمائن" المتواجدة هناك.
فرض سيناريو "فقد السيطرة على الحدود الغربية" ومحاولة صناعة محطة "ترانزيت" للإرهابين، اتضح أنه الأمر الوحيد الذي تحاول الولايات المتحدة تنفيذه من وراء تلك العمليات، التي تدعمها، سواء بالسلاح، أو "غض البصر" عن تجاوزاتها والخطورة التي تمثلها على منطقة الشرق الأوسط.
السيناريو ذاته كشفه تقريرا تم إعداده في أحد المراكز السياسية التابعة لوكالة المخابرات الأمريكية الـ "سي آي إيه"، ويحمل التقرير عنوان " خطة الصحراء الليبية المصرية Egyptian Libyan desert plan " ويحتوي على عدد من الأقسام منها تقدمه عن تعريف ماهية الواحات المصرية حتى المثلث المشترك في الحدود مع لبيبا وتشاد وأغلب مساحات هذه الأراضي خاضع للسلطات المصرية.
ويصف التقرير هذه المنطقة الجغرافية بالكنز الطبيعي لما تحويه من مصادر طبيعية منها مخزون جوفي هائل بالمياه ورمال غنية بخام معدن اليورانيوم المشع إضافة إلى عدد كبير من مواقع التنقيب المصرية القديمة عن الذهب إضافة إلى ثقل إستراتيجي حيث يربط هذا الإقليم بين مصر والسودان ولبيبا وتشاد ما يجعله مركزا للثقل الإستراتيجي وهي " النقطة الوحيدة التي يمكن منها السيطرة على شمال ووسط أفريقيا من مركز منفرد " طبقا لمنصوص وثيقة التعريف.
الأهمية الإستراتيجية
من نقطة التعريف ينتقل التقرير إلى نقطة الأهمية الإستراتيجية لهذا الإقليم حيث يقدم إقليم الصحراء الغربية المصرية كموقع سيطرة ممتاز لما يسمى بالقيادة الأمريكية في أفريقيا africom منوها إلى ضرورة سيطرة القيادة الأمريكية على هذا الإقليم الواقع من الحدود المصرية السودانية جنوبًا حتى الظهير الصحراوي لمدن محافظات أسيوط والفيوم والمنيا على طول وادي النيل ما يضمن للولايات المتحده سيطرة ممتازة على إقليم وسط وشمال أفريقيا.
في الوقت ذاته، ادعى أن الصحراء تحوي عددا من الممرات التي عادة ما يتخذها المهربون وتجار السلاح غير الشرعي للوصول من ساحل المتوسط إلى العمق الأفريقي وهي طريق، حسب ادعاءات التقرير، لمافيا تسليح الميليشيات في أفريقيا إضافة إلى كونها ممرا لتسليح حماس، وهو ما يدعو الولايات لإحكام السيطرة على هذه المنطقة الصحراوية الشاسعة، والتي يمكن أن تشكل تهديدًا عالميا واسعا إذا ما تمكنت التنظيمات المتطرفة من اتخاذها ملاذا آمنا يجعلها في منأى من " النظام الدولي " ويمكنها من التحرك بسهولة بين شمال ووسط القارة السمراء.
وبعيدا عن الوصف الجغرافي، ومحاولة إظهار أهمية الموقع الإستراتيجي لـ"الحدود" التي تقع بين مصر وليبيا، فإن التقرير ذاته تحدث في موضع آخر عما أطلق عليه " القاعدة في الصحراء المصرية الليبية Qaeda in Libyan Egyptian desert "، ورغم ما يبدو من سوء نية متعمد في التقرير إلا أنه يلفت النظر إلى عدد من النقاط المهمة ففي المقدمة التاريخية لـ"فصل القاعدة" يقول إن أول تواجد لتنظيم القاعدة في الصحراء المشتركة بين مصر ولبيا تم رصده في العام 1998.
حيث رصدت الـcia توافد أعداد من المجاهدين السابقين في أفغانستان إلى هذه المنطقة وتوطنهم فيها وهنا يكشف التقرير مفاجأة أن دراسة قدمها الموساد الإسرائيلي عام 1993 يقترح فيها إعادة توطين المجاهدين العرب الذين استخدموا في الحرب الأمريكية ضد الاتحاد السوفييتي السابق في أفغانستان " المعرفون باسم العائدون من أفغانستان " في منطقة الصحراء الليبية ضمن عدد آخر من الوجهات للتمكن من استخدامهم فيما بعد.
ويستمر التقرير في الحديث عن هذه المجموعات التي تم زرعها خصيصًا على الحدود المصرية حيث يرصد التقرير على نحو متواتر تزايد أعداد الأفراد المقاتلين إلى نحو 180 ألفا في العام 2012 الأمر الذي يتعامل معه التقرير بشكل أو بآخر على أنه إيجابي وهو ما تفسره الوثيقة التالية في هذا التقرير.
حيث تكشف الوثائق التالية في التقرير أن الاتصالات بين هذه الخلايا التي تمت زراعتها في مناطق الصحراء الغربية المصرية الليبية والمخابرات المركزية الأمريكية لم تنقطع منذ 1998 حيث تعترف الوثائق أن خمسة معسكرات تم إنشاؤها في منطقة الصحراء المصرية الليبية ضمت عناصر العائدين من أفغانستان إضافة إلى عناصر من الطوارق وبعض القبائل المحلية.
ويشير التقرير أيضا إلى أن مجموعات كبيرة من هذه المعسكرات ساهمت بفاعلية في " الثورة الليبية " ضد الرئيس الليبي الراحل العقيد معمر القذافي، خاصة أنها تتمتع بـ"مستوى تدريب قتالى عال" وتجيد أيضا استخدام الأسلحة الثقيلة، وهو أمر أكده اعتراف الولايات المتحدة وتحديدًا تصريحات مدير وكالة المخابرات الأمريكية الأسبق جورج تينت في الكونجرس الذي أشار إلى أن بلاده مولت عناصر من مجاهدي القاعدة في ليبيا بالسلاح واصفا إياها بالخطوة الاضطرارية.
نجاح مخطط "إزاحة القذافي وتوطين العناصر المتطرفة على الأراضي الليبية" كان سببا في استمرار "مخطط الاستقرار" الذي يوضح التقرير ذاته، في إحدى وثائقه الصادرة في أكتوبر من العام 2013 أن الوضع في ليبيا أصبح خارج السيطرة واصفا الوضع هناك بالجنة المثالية للحركات الإرهابية.
تقسيم ليبيا
وأن الدولة الليبية هي نموذج لما يسمى بالدولة الإناركية وعليه قدم المخطط فكرة لتقسيم ليبيا إلى ثلاث دويلات إضافة إلى منطقة الصحراء الشرقية التي يعتبرها التقرير ذات حيثية خاصة لوجود أعداد كبيرة من " المجاهدين " بها وأن هؤلاء المجاهدين، الذين تمت زراعتهم بمعرفة الـcia منذ قرابة العشرين عاما، هو السبب الرئيسي وراء الأزمة الليبية وعليه فإن من المهم بمكان إنهاء حالة التوتر الدائم بين هذه المجموعات من خلال فرض سيطرة أمنية حقيقية على منطقة الصحراء المصرية الليبية.
ويقدم التقرير مشروع أفريكوم كحل أمثل لهذه الأزمة حيث يقترح أن تحظى منطقة الصحراء المصرية الليبية وحدودها شرقا أطراف بني غازي نزولا حتى مناطق بحر الرمال ثم الكوفرة أو الجفرة وشرقا داخل ليبيا ثم ما أسماها مناطق نفوذ قبائل أولاد وهي مناطق الواحات المصرية الداخلة والخارجة والسلوم حتى شمال دارفور في السودان بوضع خاص تحت القانون الدولي حيث تخضع هذه المناطق لسلطة القيادة الأمريكية في أفريقيا أمنيا وتحظى المجموعات القبلية بشبه حكم ذاتي حيث تتعهد فيه القيادة الأمريكية في أفريقيا africom بإمداد هذه "الكانتونات القبلية" باحتيجاتها اللوجستية دون تدخل من الدولة المصرية.
التقرير يتحدث أيضا عن فكرة التوغل الأمريكي في مناطق الواحات الغربية " الواحات المصرية الداخلة والخارجة " وذلك كضرورة لمحاربة تواجد الميليشيات المسلحة بها والتي تهدد السيادة المصرية على أراضيها حيث يدعي التقرير أن هذه المناطق التي تعاني ضعفا للخدمات المعيشية بصورة كبيرة ما يجعلها مواقع ممتازة للميليشيات المسلحة للاستقرار بها واتخاذها ملاذا آمنا.
خاصة أن هناك علاقات تجارية نشيطة بين القبائل في مناطق الواحات والصحراء الغربية المصرية والميليشيات المسلحة في التخوم الصحراوية المشتركة بين مصر وليبيا وعليه فإن إيجاد قوة عسكرية قويه في المنطقة بمساعدة مجموعات عمليات إنسانية ومعيشية تكون قادرة على انجذاب القبائل لها وضمان مهادنتها في أي معارك قد تضطر هذه القوات العسكرية القيام بها ضد الميليشيات المسلحة الجهادية التي باتت خارج السيطرة على حد زعم التقرير ويضيف أن القوة الوحيدة القادرة على تأمين الجانبين الأمني والإنساني في هذه المناطق الوعرة هي لاشك القوات التابعة للقيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا في ظل انشغال الجيش المصري بمحاربة الإرهاب على الجبهة الشرقيه في سيناء.
خطة الأفريكوم
أما عن الأفريكوم أو القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا حيث يعرف البنتاجون الأمريكي القوات بأنها وحدة مكونة من قوات مقاتلة موحدة تحت إدارة وزارة الدفاع الأمريكية وهي مسئولة عن العمليات العسكرية الأمريكية وعن العلاقات العسكرية مع 53 دولة أفريقية في أفريقيا عدا مصر، حيث تقع في نطاق القيادة المركزية الأمريكية. وكانت القيادة الأفريقية قد تأسست في 1 أكتوبر، 2007، كقيادة مؤقتة تحت القيادة الأمريكية لأوربا، والتي كانت لمدة أكثر من عقدين مسئولة عن العلاقات العسكرية الأمريكية مع أكثر من 40 دولة أفريقية.
تحتفظ الأفريكوم الآن بوحدات مقاتلة في كل من دلتا النيجر وديجيبوتي حيث تسمى قاعدة جيبوتي قوة القرن الأفريقي كينتكوم حيث تقسم القيادة الأمريكية في أفريقيا القوات إلى ثلاث مناطق أهمها المنطقة المركزية (سنتكوم) وتشمل مصر والسودان وأريتريا وإثيوبيا وجيبوتي والصومال وكينيا وسيشل وهو ما يبرر السعي الأمريكي الحثيث للاستيلاء على أي قطعة من الأراضي المصرية لوضع هذه القوات بها.
حيث كانت الأفريكوم قد تقدمت بطلب إلى الحكومة المصرية للدخول إلى منظومة الأفريكون في العام 2007 كونها الدولة الوحيدة التي لا تسمح للأفريكوم بالدخول إلى أراضيها ولكن الحكومة المصرية في ذلك الوقت رفضت ثم عادت مرة أخرى تطالب حكومة مصر بعد 25 يناير بالموافقة على إنشاء قاعدة للأفريكوم في منطقة حلايب وشلاتين الأمر الذي رفضته القوات المسلحة.
وكان الراحل عمر سليمان قد أصدر توصية وقت أن كان مديرا للمخابرات العامة المصرية حول الأفريكوم بالرفض القاطع لإقامة قاعدة للأفريكوم في مصر حيث قدر الموازنة السنوية لأفريكوم بدأت بنحو 90 مليون دولار أمريكي تتم وهي تحوي 500 خبير في الاستخبارات والاتصالات والتحليلات والتقارير وخبراء من وزارات الخارجية والمالية والأمن والتجارة والطاقة والزراعة ومن مكتب التحقيقات الفيدرالي إف بي أي عدد الموظفين الدائمين بها 1300 موظف، لا تقتصر فيها القيادة فقط على الجانب العسكري وإنما تشمل أيضا هياكل وموظفين مدنيين من الوكالة الأمريكية للتعاون الدولي وموؤسسات إغاثة والعمل الإنساني والمنظمات غير الحكومية.
ومما سبق يمكن لأفريكوم أن تغطي أي حضور عسكري تحت غطاء رسالة إنسانية كحماية الأقليات وأعمال الإغاثة وغيرهما والأهم أنها تملك اتصالات قوية مع منظمات المجتمع المدني داخل مصر.
ووفقا لآخر التحديثات التي اطلع عليها الراحل عمر سليمان الرئيس الأسبق للمخابرات المصرية أثناء ثورة 25 يناير 2011، فإن عمليات التدريب التي أجرتها أفريكوم في القارة الأفريقية تجعلها قادرة على حشد 45 ألف جندي من جنسيات أفريقية متعددة سبق لهم التدريب تحت قيادتها ويقودهم 3200 ضابط وقائد أفريقي خلال أسبوع واحد على الأكثر من صدور أوامر التحرك أيا كانت وجهة تلك القوة الكبيرة وحتى لو كانت مضطرة لشق طريقها عبر صحراء معادية وهو ما أصبح عاملا موجودا بعد سقوط ليبيا تحديدا.
وسيكون لأفريكوم القدرة على جعل السكان المحليين تقبل تواجدهم بل وتقديم سبل التعاون والتواصل مع المدنيين من خلال منظمات الإغاثة المحلية وأيضا إمداد السكان المحليين بالرعاية الطبية ووحدات توليد الكهرباء المحمولة وغيرها من خدمات تساعد القوة أفريكوم على تجاوب السكان المحليين معهم وتقبل وجودهم وهو ما ينطبق حرفيا على الوثائق الأمريكية حول منطقة الواحات المصرية.
" نقلا عن العدد الورقي.."