رئيس التحرير
عصام كامل

سيسي 3-7.. أهلًا بك من جديد


من جديد عاد لنا السيسي الذي افتقدناه منذ أن خرج علينا يوم 3 – 7 – 2013م، ليعلن بكل حسم وحزم وعزم وجسارة أن القوات المسلحة لبت نداء المصريين من أجل طي صفحة سوداء ظلت قابعة على صدورنا عامًا كاملًا. وبنفس القوة النبرية، والطاقة الزفيرية، والثبات، والطبقة الصوتية الحاسمة العازمة، عاد لنا السيسي في خطابه هذا؛ معزيًا مصر وأسر ضحايا الإرهاب الوضيع، وليبلغ العالم أجمع أن مصر لها أنياب، وستستخدمها، ولكن بالأسلوب والتوقيت المناسب.


أولًا: لقد أظهر لنا السيسي من جديد ذكاء ودهاء ابن المدرسة العسكرية المصرية عندما تحلى بالثبات الانفعالي، والعقل الموزون الواقع تحت ضغط كبير، والفكر العسكري في ردة الفعل؛ إذ تعمد أن يتحرك يدًا بيد مع المجتمع الدولي؛ لأنه لن يحارب الإرهاب العالمي وحده، ولن يُجرّ إلى حرب بمفرده؛ إذ قد يحدث كما حدث للعراق، فمن الوارد أن تكون هذه القتلة البشعة لاستفزاز القوات المسلحة، ولكي يضغط الشعب على قواته للدخول في أتون الحرب المعلنة، ومن ثم فقد جمع السيسي بينه وبين رؤساء العالم؛ ليضعهم أمام مسؤولياتهم وشعوبهم، فإمّا أن يكونوا صادقين في محاربتهم الإرهاب، وإمّا أنهم مدعوون، ولذا فقد استخدم ذكاءه الشديد عندما كلف وزير الخارجية بالسفر إلى الأمم المتحدة؛ ليبلغ دول العالم رسالة مصرية واضحة بأن عليهم إعلان موقفهم صراحة في مكافحة الإرهاب، وأيضًا "من أجل وضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته، ومن أجل اتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة التي تتفق مع ميثاق الأمم المتحدة". 

وهنا باستخدامه علاقة السببية؛ فقد أعطى نفسه غطاءً شرعيًّا في حالة عدم مساندة دول العالم لمصر في حربها التي تخوضها نيابة عن العالم، وحينها لا يلومنا أحد على ردة فعلنا، ولذا قال السيسي "إن مصر تحتفظ بحق الرد وبالأسلوب والتوقيت المناسب".

ثانيًا: من روائع هذا الخطاب أن السيسي لم يتخل عن وضعه الذي يرى نفسه فيه دائمًا، وهو أنه واحد من الشعب، وممثل عنه، مستخدمًا علاقة التدرج التسلسلي، عندما قدم واجب العزاء لمصر كلها أولًا، ثم أخذ المصريين كلهم وهو يقدم واجب العزاء لأسر الضحايا: "أتقدم إليكم جميعًا بخالص العزاء، وأتوجه نيابة عن كل المصريين إلى أسر وعائلات أبنائنا شهداء الإرهاب الغادر". 

وهنا أيضًا تعامل بذكاء عندما استخدم المضاف والمضاف إليه؛ ليظل رئيسًا لكل المصريين، بعيدًا عن التزمت؛ فقال (شهداء الإرهاب)، ولكلمة شهداء مدلولات. وعندما تعجل الرئيس السيسي باستخدامه ضمير الغائب في قوله: "خالص العزاء في مصابهم". سارع مستخدمًا العلاقة التفسيرية قائلًا: "ومصابهم هو مصاب مصر كلها". كما أنه لم يوفق في تعبيره عن الحدث بقوله: "الإرهاب الخسيس الذي (طال) أبناء مصر". وكان الأوقع أن يقول: "الإرهاب الخسيس الذي (سفك دماء) أبناء مصر". فالأولى في مثل هذه السياقات أن تكون اللغة مباشرة واضحة بعيدة قدر الإمكان عن اللغة المجازية.

ومما يؤكد أنه واحد منا يشعر بما نشعر، أنه استخدم التدرج التسلسلي مرة أخرى عند وصفه للحادث بقوله: "إننا في هذه اللحظات العصيبة نشعر جميعًا – كمواطنين مصريين – بالحزن والألم والغضب". فالحزن وقع في قلوبنا أولًا عند سماعنا الخبر، ونبض القلب ألمًا عند رؤيتنا المشهد، وهذا فجّر بداخلنا الغضب.

وفي ظل هذا لم يتخل السيسي عن ضرورة الاصطفاف؛ إذ استخدم الجملة الاعتراضية (كمواطنين مصريين)؛ حتى لا يفسر البعض أن الشعور بالحزن والألم والغضب يعود على القوات المسلحة ومجلس الدفاع الوطني، بل هذه المشاعر هي مشاعر كل مصري. إننا في خندق واحد.

ثالثًا: إن هذا الخطاب يظهر كالعادة أن السيسي يقدر شعبه حق قدره؛ إذ كان من الممكن أن يخصص السيسي كلمته لتوجيه الرسالة المصرية القوية للإرهاب وحلفائه، وحينها سيشعر المواطن بأن رئيسه مدرك جدًا للمشاعر المتزاحمة في صدورنا، ولكن السيسي أبى إلا أن يكون رئيسًا حكيمًا، تعوّد وتدرب على الثبات الانفعالي، ولذا مضى في هذا الخطاب بروح القائد العسكري، وأيضًا بروح الإنسان مرهف الحس؛ عندما تحدث مطمئنًا الأم الثكلى، والأب المكلوم، والأخ المكسور بفقدان أخيه، والزوجة المترملة، والأبناء اليتامى، بأن الدولة ستحل محل الفقيد، وستمضي مصر ضمير الإنسانية تؤدي دورها تجاه العالم كله؛ فمصر التي هزمت الإرهاب من قبل، قادرة على دحره؛ لأننا لا ندافع عن أنفسنا فحسب، بل ندافع عن الإنسانية.

نحن على الحق المبين.
الجريدة الرسمية