يا عزيزى كلنا داعش
ذبح الـ 21 مصريا في ليبيا كارثة، مصيبة كبرى وبلوى سوداء، لكن الذي حدث أننا نحن المسئولون عن كارثة أكبر، بعض مشايخنا ساهموا في البلوى الأضخم، والمصيبة الأكثر وزنا، وأكبر حجما، بعض مشايخنا هم الذين صنعوا داعش، وهم الذين نموها، وزغطوها، فربربت وتغذت، ثم ارتدت علينا وعليهم.
لو الغرب صنع التنظيم، وسلحه، وأنفق المليارات على عقول مهاجرة، مجنونة، فنحن الذين صنعنا فكر داعش، وصدرناه، واستوردنا الأنتى بايوتك، واللبان خالى السكر.
خرج داعش من عندنا، وخرج فكر السلفية الجهادية من مساجد شارع فيصل والمنيل. وكوبرى مسطرد والمطرية، بعدما ظل ينحت نفسه، طوال أعوام مضت.. بينما نختلف اليوم في تقييم الرد.. وطرق الانتقام.
في الصخب، وكلام الفيس بوك، وهرى مواقع التواصل، ومذيعات التليفزيون المصرى لا يعرفن روسيا من أوكرانيا، وسعد الحريرى من رفيق الحريرى.. فاتت التساؤلات عن من السبب في فكر داعش، فاتنا الكلام عن منبع "أم القيح".. ومنبت الخُراج، الذي أضاف جبروت داعش، وجعل من أفرادها دمويين باسم الدين.. وسلطان الله !
أعتقد أنه آن الأوان للمصارحة.. آن الأوان لكلام واضح بلا لف ولا دوران، داعش تخرج كل صباح من فنجان القهوة.. ومن " التوستر".. هل ننتظرها في "ساندوتشات العيال" في المدرسة ؟.
قبل شهر خاطب الرئيس مشايخ الأزهر.. طالبهم بتنقية الدين، وشرح الإسلام الوسطى.. في الطريق لغربلة التراث.. وشوائب العقيدة، عن سلطان الله.
كانت أزمة.. لأن كثيرا من مشايخنا، لا طائل لهم بتنقية أفكار دينية، صدروها هم، وعلبوها هم وقدموها لأجيال وأجيال في ورق مفضض.. بلفة هدايا من على المنابر وفى الزوايا.
بعض مشايخنا هم الذين أدخلوا فكر داعش تحت جلودنا..هم الذين سلفنوا التطرف، يعنى لفوه في ورق سوليفان، قبل تصديره في ورق مفضض للخارج.. في علب مجلفنة آن الأوان أن تفجر على بعد مئات الأميال.. من سوريا إلى ليبيا.. ومن العراق حتى حدودنا الغربية.
أفكار داعش التي انفجرت في ليبيا في وجه مصريين أقباط، فجرها مشايخنا من هنا.. من عندنا، من فوق منابر مساجدنا، ومن داخل معاهدنا الدينية بالريموت كنترول.
لو حضرتك نعامة.. سترفض هذا الكلام، لو انت ممن يحيلون الكلام الذي لا يعجب عن رجال الدين، دائما، إلى أفواه في قلوبها زيغ.. وعقول في قلوبها مرض.. ستنفض عن عقلك هذا النقاش.
لم يعد مهما.. المهم أن الحقيقة جالسة ومتربعة، وستخرج لك من فنجان قهوتك الصباحى.. أو من دور الدمينو على المقهى مساء.
الحقيقة أن مشايخنا، ليس هم الذين صنعوا داعش فقط، إنما كثير منهم داعشيون للآن، لاحظ: قضاة داعش الشرعيين الأربعة مصريون، 11 من معاونى أسامة بن لادن مصريون، الظواهرى مصرى، وجماعة الإخوان مصرية أيضا، حسن البنا مصرى، وسيد قطب، وعبد الرحمن السندى، مصريان.
فكما في الإسلام المصرى تسامح، فإن منه تطرف وغلو وتراث.. وأفكار خرافية، ونزعات شريرة، تلبست العقيدة، وأخرجت آلاف الدواعش مسومين، حتى أئمة الأوقاف على منابر المساجد، منهم من يتخفى بفكر داعش في ثياب رجل دين.. جبة وعمة وقفطان.. بينما الفكر "جهادى" والسلوك خرافى.
خلال الـ 40 عاما الماضية عطل مشايخنا الدين.. أو قل حولوه عن مجراه، وأسبقوا مصطلحات "أهل الذمة والنصارى"، وتداولوها من على المنابر.. وعبر ميكروفونات نطت من المناور لتدخل غرف نومنا.. وهم الذين تناقلوا أحاديث عن يأجوج ومأجوج، وتفاصيل نزول السيد المسيح إلى الأرض آخر الزمان.
يتداول مشايخنا للآن، كلاما في كثير من خرافات تراثية.. أثرت في الفكر الإسلامي، وحجرته، وقللت من مرونته في التعامل مع الواقع، ومن اكتساب مزيد من الأرض.. تبعا للتاريخ والجغرافيا.
من 40 عاما، أسسنا المشايخ على عداء العالم للإسلام، مع أن بعض المسلمين هم الذين عادوا العالم.. فاستخدمهم العالم، لعداء بعضهم البعض.. والقتل على المذهب، والقتل على الهوية والقتل على الدين.
حتى الآن، يتداول مشايخ وأئمة الأوقاف من على المنابر، مصطلحات عن بلاد المسلمين باعتبارها دار إسلام، والغرب باعتباره دار حرب. بعضهم يتداول أحاديث الجمعة عن الأقباط باعتبارهم مستأمنين، ويتناقلون أحاديث نبوية، لتلاميذ المدارس عن تحريف الكتاب المقدس.. وعن وهم عقيدى لدى المذاهب المسيحية.
في كتب المدارس، يدرس التلاميذ: أن الدين عند الله الإسلام، بحق يراد به باطل، وأن من يبتغى غير الإسلام دينا لن يقبل منه.. بغير فطنة، وفى غير محله.
ما الذي فعلته داعش ؟
الذي فعلوه أنهم قتلوا الأقباط، ردا على المحاربين في الغرب.. توعدوا الطاغوت بمزيد من القتلى.. قالوا إنهم على أبواب روما، باعتبارهم أمة الإسلام، حتى ينزل المسيح عيسى بن مريم، وينقذهم من فتنة المسيح الدجال، ويقتل اليهودى !!
لا أحد يعرف: لماذا روما بالذات ؟ لا إمبراطورية روما باقية.. ولا الفرس، والهرمزان، وكسرى يزدجرد لهم مكانا حاليا على هذا الكوكب.
تستطيع أن تقول أن "النبرة السلفية"، والاستئناس بلهجة المسلمين الأوائل، والفكر السلفى الجهادى القائم على الرغبة في استعادة زمن الجيلين الأول الثانى من أجيال الإسلام الأولى، كل هذا هو سبب النبرة الظاهرة في لغة أفراد داعش.. وكلها سبب في تلك اللخبطة.
يقول مشايخنا إن داعش ليست من الدين ؟
طيب افتح أي كتاب من كتب المعاهد الأزهرية، افتح الإقناع في حل ألفاظ أبى الشجاع، أو الرود المربع بشرح زاد المستنقع، افتح الاختيار لتعليل المختار، افتح أي من مذكرات المشايخ، وأوراق خريجى الأوقاف والأزهر ستجد كلام داعش بالنص والحرف.
ستجد في تلك الكتب المسيحيين أهل ذمة، وأهل ذمة يعنى ليسوا مواطنين.. ستجد دعوات لقتل الغرب "كافة" باعتبار غير المسلم فاسق مارق خارج عن الدين. في الاختيار لتعليل المختار، مثلا كلام عن أن دم المسلم حرام، بينما دم "الذمى" لأ.. وفى الرود المربع، أن كل من ليس مسلما، حتى لو تواجد في دار الإسلام، فإنه "مستأمن".. لا يتمتع بالمواطنة، ولا يعتبر من أهل البلد.. حتى ولو كان من أهلها.. ففى دار الإسلام.. العبرة بأهل الإسلام، ولا عبرة بأهل البلاد.. ما داموا ليسوا من أهل الإسلام !!
يصر مشايخنا على أنهم الدين الوسطى.. وهناك شك، فالذي يتداولونه للآن على منابر فيصل ودار السلام والأباجية وعزبة النخل، وفى المنيا، وسوهاج، ومساجد قنا.. لا يقول هذا.
Twitter: @wtoughan
wtoughan@hotmail.com