رئيس التحرير
عصام كامل

"شوق الدرويش".. التاريخ السوداني مرورا بالحركة المهدية


رواية "شوق الدرويش" هي الأيقونة التي أدخلت صاحبها إلى عالم المنافسة والجوائز، فقبل انتهاء العام الماضي، بأيام حصل المؤلف السوداني حمور زيادة على جائزة نجيب محفوظ التي تمنحها الجامعة الأمريكية، ومع بداية العام الجديد احتفل زيادة بدخول روايته "شوق الدرويش" إلى القائمة الطويلة لجائزة "البوكر" العربية، والتي صدرت عن دار العين بالقاهرة، وتستوحي أحداثها من حقبة تاريخية سودانية تناولتها كثير من المرويات الأجنبية ومحكيات سودانية.


فهي رواية تاريخية ملحمية تتميز بسردها لعالم الحب والاستبداد والعبودية والثورة المهدية في السودان في القرن التاسع عشر، وتجسد الرواية رحلة العبد السوداني (بخيت منديل) من السودان إلى مصر ومع جيوش المهدي، ثم السجن في بلاده وحياته وحياة المحبوبة الإغريقية ثيودورا، التي تقع ضحية عنف الثورة المهدية.

وتبدأ الرواية بسقوط الخرطوم وهزيمة جيش المهدي مما يعني حرية العبد بخيت، لتبدأ رحلة العبد، الذي أصبح محاربًا في جيش المهدي ثم عاشقا للإغريقية ثيودورا، للثأر ممن قتلوا محبوبته عندما حاولت الهروب إلى مصر.

إنها رحلة عبر تاريخ عنيف في السودان وقصة حب مأساوية، والقصة التي يسردها زيادة للقارئ، هي قصة حب وثأر تتجلى بين الماضي والحاضر، فتتداخل مشاهد من حياة بخيت منديل، من العبودية إلى الثورة المهدية والسجنور حلة ثيودورا من الإسكندرية إلى الخرطوم لتسرد قصة الحب والعبودية بتعدد أشكالهما.

ويتميز النص بلغة شعرية تجسد العالم العنيف للثورة المهدية وتحدد القوى المتورطة في هذه الحركة، حيث تعتمد الرواية في بنائها على لغز قصة حب وثأر العبد السوداني، ويكشف زيادة عن الاستبداد والإمبراطورية والدين والعنصرية، وذلك من خلال تاريخ الثورة المهدية والاستعمار الغربي.

كما عملت الرواية على الجانب التاريخي ودروبه الخفية، مستعرضًا المسارات الفنية الكثيرة، سردًا ولغة ونقلات مكانية وزمانية ذكية، جسدت أرواح الدراويش، ونطقت بألسنتهم، اقتبست من قطبهم الأكبر، في البداية والنهاية وعلى مدى الصفحات، غابت بين مدارات عشق ومحبة وهوى، جدفت بمجازات قريبة وبعيدة، تحتمل التأويل.

أهم ما يميز النص هو هذا الثراء الملحمي الذي يسري بطول السرد لا على مستوى تعقيد شخصية البطل المأساوي فحسب بل على مستوى تعدد مناحي الخطاب اللغوية: إذ تتراوح على نحو مبهر وغني ما بين السرد والشعر والحوار والمونولوج والرسائل والمذكرات والأغاني والحكايات الشعبية والوثائق التاريخية والترانيم الصوفية والابتهالات الكنسية وآيات القرآن والتوراة والإنجيل وحتى الكتابة عن الكتابة.

هذا التنوع الهائل لأنواع الخطاب يوازيه مبنى تاريخي لحقبة لم تتناولها الرواية العربية من قبل ولم يكشف عن بواطنه الخفية الفاعلة في تشعبها وخليطها الذي يعج بالحياة، وفي موازاة لرائعة الطيب صالح موسم الهجرة إلى الشمال، يكتب حمور زيادة قصة العشق في التاريخ، فالعشيقة هنا كهناك من لون آخر ودين آخر وطبقة أخرى، فيما يبدو رفضا مستمرا من قبل البطل الأسود لواقعه وعجزا عن معادلة الآخر.
الجريدة الرسمية