الغربة في الوطن "أحمد عز"؟

شاهدت تحقيقا تلفزيونيا على شاشة إحدى الصحف الإلكترونية المصرية، يستطلع رأي أهل دائرة مدينة السادات - منوفية، في ترشح أحمد عز لبرلمان 2015، جعلني أشعر بغربة في وطني مصر.

الغربة - من وجهة نظري - هي أن تشعر بأنك وحدك في مجتمع يعلن الحب لإنسان أو كيان يعرف جيدا أنه "كريه"، ويُظهر أنه آمن لشخص أو كيان يعرف في قرارة نفسه أنه خطِر، ويأكل ويشرب برضى نفس من مائدة مسروقة من قوته، وهو يعلم أنها مسروقة من قوته.

التحقيق التليفزيوني الرائع، أظهر نسبة تفوق 99% ممن تم استطلاع رأيهم، أنهم سينتخبون أحمد عز لا لشيء إلا لأنه "عمل مستشفى، وزع بطاطين، كان منضّف شوارع المدينة، وفر الجاز والكيماوي لزرعنا"، وغيرها من المنافع الذاتية.. وأظنهم غير ملومين.

في بلد يسود فيها الجهل، يصبح السارق فاعلا للخير، هو يسرق من قوت الشعب، ويحصل على ما لا يحصل عليه غيره من تسهيلات في الاستحواذ على الأرض والجاه، فيتظاهر بالموافقة على "شيل التركة الخربانة" أي الشركات العامة العملاقة التي تم تفليسها عمدا، ثم يحصل على تسهيلات بنكية تضخ الحياة في عصب هذه الشركات، ثم تجند له حكومة فاسدة كل الطاقات البشرية والإمكانات المالية من ودائع المواطنين في البنوك، كي تعينه على سداد القروض في عام أو عامين، لتصبح الشركة العملاقة ملكا خاصا به.

فلماذا لا ينفق زكاة سرقاته على من سرق منهم المال؟
نحن في دولة لا يعرف معظم أهلها أن العدالة الاجتماعية الشاملة، تضمن أن يحصل كل إنسان على حقه في المأكل والمشرب والكساء والعلاج والتعليم من الدولة، ليكون المواطن صالحا، وفاعلا، وحارسا أمينا.

وفي الدول التي حققت نهضة اقتصادية متوازنة، تتخطى الحكومات حد الحقوق الأساسية، فتجتهد في البحث عن برامج لتأمين حق المواطن في الرفاهية أيضا.

فلو أن أحمد عز وغيره من هذه النماذج، أخذت حقها فقط في الاستثمار والعمل والتربح الشرعي، لكان في مصر أكثر من 20 مليون رجل أعمال بدرجة "شريف"، بدلا من احتكار المال والسلطة في أيدي نماذج قليلة العدد والنخوة، سحبت النور من عيون الوطن، والعناصر الغذائية من دماء المواطنين، فأصابت الوطن والمواطن بالهشاشة، لتستقبله في مستشفيات الزكاة، وتجعله كسولا مريضا في انتظار بطانية، أو كرتونة مواد غذائية، ليتحول معظم الشعب إلى فئة "مواطن بكرتونة".

لو أن الدولة اعتمدت مقاييس الحكم الرشيد، منذ نحو 62 عاما، لكان في مصر أكثر من مليون رجل أعمال بوزن محمود العربي، الذي يعمل في شركته حاليا أكثر من 21500 موظف، جميعهم ينعم بالتأمينات الاجتماعية، والتأمين الصحي، والأمان الوظيفي التام، حتى في ظل نكبات عظيمة ألمّت بمصانع "العربي"، ورغم ذلك يعيش الرجل في طلاق بائن مع السياسة، ولم يخلُ بيت في المنوفية من سيرته العطرة، مستحقا بذلك الدرجة اليابانية "الفارس النبيل".

لو أن الدولة قامت بواجبها، لكانت الشوارع نظيفة، والعلاج الآمن من الدولة بأيدي الحكومة، وكان التعليم الصحيح في مدارس الحكومة، وكان الغذاء الخالي من مسببات الأمراض مسئولية الحكومة، وبالتالي كانت الدولة فخورة بمواطن يليق بقوتها وعدالتها.