الأمريكية «إستر هاولاند».. شهبندر تجار بطاقات عيد الحب
يظن البعض خطأ أن مراسلات بطاقات عيد الحب لم تكن معروفة في العصور السابقة، والحقيقة أنها تمتد في عمق التاريخ، ولمَ لا فمشاعر الرومانسية مرتبطة بالإنسان منذ أن وطأت قدماه الأرض، وهكذا أدرك كيف يعبر عن مشاعر الحب بطرقه الخاصة، ليتطور الأمر إلى أن كان للكلمات النصيب الأكبر، فتصير أشعارا أو رسائل، وأدرك أهمية نقش الكلمات داخل كروت مزخرفة يرسلها إلى من يحب، حتى ارتبط عيد الحب بتبادل رسائل الحب الموجزة التي تأخذ شكل «بطاقات عيد الحب».
أقدم بطاقة عيد حب عبارة عن قصيدة مكونة من ثلاثة عشر بيتًا، كتبها تشارلز دوق أورليانز في القرن الخامس عشر إلى زوجته التي يحبها، حين كان محتجزًا في برج لندن، بعد أسره في معركة «آجينكورت» عام 1415، فما كان منه إلا أن أرسل لزوجته تلك الأبيات الشعرية ليعبر لها عن حبه.
أما في العصر الحديث فتضم بطاقات عيد الحب رسومات على شكل قلب، وطيورا لاسيما الحمام الأبيض، وكيوبيد ملاك الحب ذا الجناحين، بالإضافة للورود الحمراء، وصولًا لأشكال مختلفة من الدباديب، وقد يضاف إلى كروت الحب دانتيل أبيض، أو مقطوعات موسيقية تبدأ في العزف بمجرد فتح بطاقة المعايدة، أو مجسمات لزهور جميلة أو قلوب.
كانت الكروت قديمًا تكتب باليد، لكن منذ القرن التاسع عشر تراجعت الرسائل المكتوبة بخط اليد، لتحل محلها بطاقات المعايدة المطبوعة، التي يتم طرحها بأعداد كبيرة.
تبادل بطاقات عيد الحب انتشر في بريطانيا بالقرن التاسع عشر، كإحدى الصيحات الجديدة، التي تمكن المحبين من التعبير عن حبهم، حتى أنه في عام 1847 بدأت سيدة أمريكية تدعى «إستر هاولاند» نشاطًا تجاريًا ناجحًا في منزلها بمدينة ووستر في ولاية ماساتشوستس بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث قامت بتصميم بطاقات لعيد الحب، مستوحية فكرتها من نماذج إنجليزية للبطاقات، بعد أن استقبل والدها - صاحب متجر كبير للكتب والأدوات المكتبية - ذات يوم بطاقة معايدة، ومنها استلهمت «إستر» أفكارها، لذا خرجت بطاقة عيد الحب للنور.
نجحت الفكرة، وانتشرت بطاقات عيد الحب في القرن التاسع عشر في أمريكا، لكنها أصبحت الآن مجرد بطاقات للمعايدة وليست تصريحًا بالحب كما كان الأمر عند ابتكارها، التي كانت مؤشرًا لما حدث في الولايات المتحدة عندما تحولت مناسبة عيد الحب إلى نشاط تجاري يمكن التربح منه عبر هذه الكروت.
إحصاءات الرابطة التجارية لناشري بطاقات المعايدة بالولايات المتحدة، تقول إن عدد بطاقات عيد الحب التي يتم تداولها في كل أنحاء العالم سنويا يبلغ نحو مليار بطاقة، وتقع بطاقات «عيد الحب» في المرتبة الثانية بعد بطاقات عيد الميلاد الأكثر مبيعًا في العالم، وينفق عليها الأمريكان في المتوسط ضعف ما تنفقه النساء على شرائها، الأمر الذي جعل كثيرا من الأمريكيين لاسيما الرجال منهم، يعتبرون الحب «باهظ الثمن».
ما أن أصبحت بطاقات عيد الحب مشروعا تجاريا مربحا، حتى تم إصدار أعداد كبيرة منها مصنعة من الورق المزين بزخارف الدانتيل لأول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت «إستر هاولاند» هي أول من أنتج هذه البطاقات المزخرفة أيضًا، وقامت ببيعها بعد ذلك بوقت قصير في عام 1847.
إرسال بطاقات عيد الحب عادة كانت موجودة في إنجلترا، قبل أن تنتشر وتصبح ذائعة الصيت في أمريكا الشمالية، حين ظهرت في القصة القصيرة التي كتبتها «إليزابيث جاسكل» بعنوان «اعتراف السيد هاريسون»، التي تم نشرها عام 1851.
واعترافًا بأهمية كروت عيد الحب، ودور «إستر» لنشرها، فمنذ عام 2001 قامت الرابطة التجارية لناشري بطاقات المعايدة بتخصيص جائزة سنوية تحمل اسم «جائزة إستر هاولاند» لأفضل تصميم لبطاقات المعايدة.
تؤكد دراسات الاتحاد الوطني لتجار التجزئة في الولايات المتحدة، أنه في النصف الثاني من القرن العشرين، امتدت عادة تبادل بطاقات المعايدة هناك لتشمل كل أنواع الهدايا، وهي هدايا يقدمها الرجال عادة إلى النساء، وتشمل صورة تقليدية، الزهور والشيكولاتة، التي يتم تغليفها بقماش الستان الأحمر الجذاب والمبهج، ويتم وضعها في صندوق على هيئة قلب أحمر اللون.
في ثمانينيات القرن الماضي، اختلف الأمر ليشمل كارت عيد الحب بجانب هدية أخرى ثمينة، ومع ارتقاء صناعة الألماس اتجه الأثرياء للتعبير عن حبهم باقتناء هدايا من الألماس لحبيباتهم، وأصبح عيد الحب هو المناسبة التي يمكن أن يعبر فيها الرجل عن مشاعره بإهداء معشوقته المجوهرات الثمينة.
كما ارتبط «يوم الفالنتين» أو عيد الحب بما يسمى التهنئة الأفلاطونية العامة، التي انتقلت لعبارات مكتوبة داخل كارت عيد الحب، فكانت تقول: «أتمنى لك عيد حب سعيدا».
وعلى سبيل المزاح، يرتبط عيد الحب بالإشارة إلى ما يعرف بـ «يوم العزّاب»، وفى بعض المدارس الابتدائية في أمريكا الشمالية، يقوم الأطفال في هذا اليوم بتزيين حجرات الدراسة وتبادل بطاقات المعايدة وتناول الحلوى، وعادة ما تذكر بطاقات المعايدة التي يتبادلها هؤلاء التلاميذ في هذا اليوم الصفات التي تجعلهم يشعرون بالتقدير تجاه بعضهم البعض.
مع نهايات القرن الماضي، بدأت التقنيات الحديثة تدخل في كروت المعايدة الخاصة بعيد الحب، وقد أسهمت زيادة شعبية الإنترنت في مطلع الألفية الجديدة في ظهور تقاليد جديدة خاصة بالاحتفال بعيد الحب، حيث تؤكد الإحصاءات الخاصة بتكنولوجيا الاتصالات أنه في كل عام يستخدم الملايين من الناس الوسائل الرقمية لتصميم وإرسال رسائل المعايدة الخاصة بعيد الحب، التي تأخذ شكل البطاقات الإلكترونية أو كوبونات الحب المصورة، التي يتبادلها المحبون أو بطاقات المعايدة التي يمكن إعادة طبعها.
والآن ومع وقع الحياة السريع، اقتصرت كروت الحب على رسائل «SMS» التي يقوم المحبون بإرسالها لبعضهم، وهناك من يقوم بإرسال كروت التهنئة عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، وتحتوي الكروت على كلمات قليلة تعبر عن مشاعر الحب، وغالبًا ما تكون مسجوعة، لكنها تحوي روح دعابة تساير روح العصر.
ومن الرسائل القصيرة المستخدمة في عيد الحب من قبل المحبين الآن «أنا مش هقول عيد حب سعيد.. لكن هقول أنت الحب لكل عيد»، و«القلب فيه اسمك والعقل فيه رسمك.. والدم فيه عشقك وأنا والله أحبك!» و«يا شمس الشموس يا بهجة كل النفوس.. نوري على حبيبي ضياكي.. وقوليله كل عام وأنت بخير» و«أغلى الناس سميتك.. وبنص قلبي خليتك وبنظر عيني حطيتك.. وبعيد الحب هنيتك»، وهناك رسائل ساخرة ومنها «في ذكرى عيد الحب 2015، أدركت أن الزواج عبارة عن غلطة وورطة وطول العمر ربطة يا تصيب يا تجيلك جلطة».