رئيس التحرير
عصام كامل

بين المرض والعرض.. مصر تدفع الثمن!


لن نقضي على المرض طالما نتعامل فقط مع العرض الذي ينتج عنه، ما نراه وما نتعامل معه على مدى الساعة هو أعراض لكثير من الأمراض التي لا نقترب منها أو نواجهها بجدية.

ماذا يفيد علاج الإنفلونزا طالما مناعة الجسم ضعيفة، وماذا يفيد علاج الجلد والبشرة طالما خلايا السرطان منتشرة فيه؟.. لا شيء سيحدث سوى تكرار العلاج وإنهاك الجسد بأدوية لن تفيد بمرور الوقت، بعد أن يستطيع الجسد تكوين مناعة ضدها!!

كاد يقتلنا اليأس ونحن نطلب تطبيق القانون بكل حزم وشدة، إذا أردنا أن نكون دولة قانون، فليس مقبولا أو معقولا أن تنتشر في البلاد كيانات غير شرعية تحت سمع وبصر الدولة، ثم تكبر وتتضخم وتتمدد وتنتشر كالسرطان في الجسد، وتكتسب لنفسها مناعة وتحقق شهرة عن طريق الإعلام والصحافة، ثم تنتقل من نشاط إلى نشاط، ثم تفرض إملاءات على المجتمع، ثم تخرق القانون وتتجاوز على الدولة وتستبيح الشوارع والميادين وتظل الدولة أو السلطة تتعامل معها كرد فعل لما تفعله، وتغض البصر عن الأصل.. عن المرض ذاته!

الألتراس جماعات تشكلت وتكونت كروابط لتشجيع الأندية التي ينتمون إليها أو يشجعون فرقها الرياضية، خصوصا كرة القدم، إلى هذا الحد يبدو الأمر طبيعيا ومقبولا.. لكن أن تصدر هذه الكيانات بيانات وتعقد اجتماعات وتقرر قرارات.. هنا كان يجب على الدولة أن تقف وتنتبه لما يحدث، وقبل أن يستفحل الأمر تصدر قانونا ينظم هذه الكيانات أو تحظرها تماما.. لكن يبدو أن اللعبة أعجبت أصحاب المصلحة سواء كان ناديا أو فريق كرة أو اتحاد كرة أو شخوصا بعينها، وسار خلفهم إعلام رياضي ينفخ فيهم حتى انفجروا في وجه المجتمع فكان ما نراه!!

سيقول البعض إن الهدف كان نبيلا، وإن هذه الروابط دفعت بالكرة المصرية ووقفت وراءها كثيرا وشجعتها في محافل دولية كروية، وشكلت صورة جميلة لمشجعي الكرة في مصر.. وأقول لهؤلاء: صحيح.. لكن عندما كانوا يشجعون الكرة وكانوا يحترمون الملاعب واللعبة، رغم أن كل هذا كان خارج إطار القانون!!.. المصيبة أن التشجيع خرج من الكرة إلى السياسة، وخرج من المدرجات إلى الشوارع والميادين، وتحولت الروابط أو بعضها إلى أدوات في لعبة السياسة، وأخضعها تجار السياسة والدم والموت للابتزاز طوعا أو كرها، فرأيناهم يقطعون الطرق ويشعلون النار ويتجمهرون في محطات المترو وعلى قضبانه، ويحولون الجامعات إلى ملاعب يشعلون فيها الشماريخ ويحولونها إلى ساحة حرب.. الصور كثيرة ومتعددة لا يتسع لها المجال.

حدث ذلك وما زال ونحن نعالج العرض ونترك المرض، ونخاف من إصدار قانون يجرم هذه الروابط لنقضي على هذه الأعراض المزعجة التي تزهق بسببها الأرواح وتسيل الدماء.. في أي دولة محترمة في العالم لا يسمح بظهور كيانات عشوائية على عين الدولة، وتتركها أو تقف عاجزة أمامها، ولا يوجد في أي دولة محترمة اتحادات رياضية تغلب مصلحتها على مصلحة الوطن أو تسمح لها بممارسة السياسة فيختلط الحابل بالنابل!!

الذين سقطوا في المباريات، سقطوا نتيجة التهاون والتراجع في معالجة الأمر من البداية، ونتيجة السماح لمثل هذه الممارسات الخاطئة القاتلة مع عدم إغفال المؤامرة التي تتعرض لها البلاد.

المجتمع سيظل يدفع الثمن من الأرواح والمصابين ومن خسائر الحرق والتخريب، ومن ترويع الناس وتعطيل مصالحهم.. المجتمع سيظل يدفع الثمن؛ لأن هناك مصالح للبعض من استمرار هذا العبث، بعد أن تحولت العملية إلى بيزنس كبير، وما يدفعه المجتمع أكبر كثيرا من مكاسب البعض.. الخوف من سخافات البعض لو صدر قانون يحظر هذه الكيانات، هو ضعف تدفع الدولة فيه من رصيد هيبتها الكثير.

عالجوا الأمراض أولا، تختفي الأعراض بأقل التكاليف حتى تنتهي.. في حالة الحرب – ونحن فيها – توقف الدوري أو استمراره بدون جماهير لن يضر.. وإصدار قانون بحظر نشاط الروابط التي تخرج على السياق وتهدد الأمن والمجتمع ضروري، وإلا انتظروا كوارث جديدة.

m.elazizi@hotmail.com
الجريدة الرسمية