رئيس التحرير
عصام كامل

تامر الشهاوي.. ضابط مخابرات أبهر الملايين!


بين الانفعال غير المنطقي والتحفظ غير المبرر، كنا نشاهد السنوات الأربع الماضية رجال أمن أغلبهم سابقون.. تتسق نسبيا صورة وطريقة معظمهم مع ما استقر في عقول وأذهان المصريين عن رجال المهام الخاصة، إلا أن كلا منهم كان يفتقد لميزة ما..فإن كان واسع الثقافة ستجده قليل المعلومات..وإن وجدته غزير المعلومات ستجد نقصا ما في نواح ثقافية لا ينبغي أن تغيب.. وإن وجدت كل شيء سيكون ممن تركوا الخدمة منذ سنوات طويلة جدا وغير قريب العهد بالأحداث وهكذا وكان الأمر نفسه على بعض رجال وزارة الخارجية ولا يعرفون عن فن وأصول الدبلوماسية شيئا!..


لكنها المرة الأولى التي تجتمع فيها تقريبا كل الصفات في رجل واحد..أغلب الظن أنه خارج الخدمة بعد أن أدى دوره على الوجه الأكمل ومع ذلك تجد تحفظه واحتياطه في تعريف نفسه بذكر الجهة التي يعمل فيها أو كان يعمل فيها رغم إدراكه أن الكل يعلم..لكنه أراد أن يكون محدد العبارات.. متدفق المعلومات..مهذب الأوصاف حتى مع أشد خصوم المصريين والدولة المصرية، مثل وصفه لموظف الجزيرة أحمد منصور، بـ"الأستاذ" !

يصف يناير - مع أحمد موسى دون تخوف من تحفظه - بالثورة، مشيرا إلى التعريف العلمي للثورات وليس وفقا للميول السياسية..ويؤكد له أيضا أن سلوك الحزب الوطني أدى للغضب الشعبي..يصف الأغلبية الكاسحة ممن نزلوا غاضبين متظاهرين محتجين في يناير بالشرفاء وأن المتآمرين المدركين للتآمر لا يزيدون عن مائتي ناشط لكن كان تأثيرهم كبيرا!.. لكنه في الوقت نفسه يؤكد أن مبارك لم يكن يتلقى تعليمات من أمريكا بل كان يمارس السياسة.. ويتعامل وفق الظروف الدولية ولم يعط أوامر لأي جهاز أمني - وفق معلوماته هو - بإعداد جمال للسلطة..ويحدد أن كلامه يعني "التعليمات المباشرة الصريحة" وأنه لا دخل له بما كان في أذهان الرئيس ونيات أسرته أو سلوكيات بعيدة عن الأجهزة الأمنية! لكنه "يلحق نفسه" ليؤكد على تحفظه على سنوات مبارك الأخيرة في الحكم دون أن يورط نفسه في أي تفاصيل..ويرفض ذكر أسماء شخصيات متهمة باتهامات مختلفة لكنه يعود ليؤكد أن الدولة المصرية الكبيرة "أسقطت" مشروع أمريكا في المنطقة و"أطاحت" بالإخوان من السلطة!

وبالطبع لم يفسر لنا مقصده بأن مبارك كان "يمارس السياسة" ويتعامل وفق "الظروف الدولية".. ولا كأن "الدولة المصرية" وليس "الشعب المصري" هي من "أطاحت بالإخوان" لكنه يترك كل ذلك لمن يعي ويدرك المعنى! هو يرى أن دولا أوربية توافق على ذهاب مواطنيها للاشتراك في جماعات إرهابية لتتخلص من شرورهم ويتوقف عند ذلك دون أن يقول إن دولا عربية تفعل الشىء نفسه لتدفن إرهابييها بعيدا عن أراضيها!

الرجل يتمتع بذكاء بالغ ومنطق بليغ..عفيف اللسان..شديد الأدب..مهندم..متواضع..دبلوماسي أكثر من الدبلوماسيين وشديد التحفظ تجاه قضايا جارحة..يصف عبد الناصر بـ "الراحل العظيم " ولكنه أيضا يعلن احترامه لمقام كل رؤساء مصر..قارئ رائع لتاريخ الإخوان القديم والحديث... معلوماته جيدة جدا عن أفرع العلوم السياسية..فهو يتكلم في الجغرافيا السياسية والنظم السياسية والاجتماع السياسي وأيضا العلاقات الدولية ودور الدبلوماسيين وواجباتهم!

وبعد الدهشة من وجود مثل هؤﻻء بعيدا عن اختيارات المحافظين وغيرها نقول: كل التحية لنموذج مشرف أكد الصورة الشائعة المعروفة لرجال المخابرات ويجعلنا نطمئن أن أمن هذا الوطن أمانة عند تامر الشهاوي وزملائه وتلاميذه الأبطال وبما يؤكد أن انطلاق مصر إلى آفاق التقدم لن يوقفه أحد وأن انتصارها على الإرهاب وكل المؤامرات مؤكد بعون الله وبغير أي شك!
الجريدة الرسمية