رئيس التحرير
عصام كامل

سر عشاء السيسي وبوتين في برج القاهرة


تعاملت وسائل الإعلام المصرية والعربية مع خبر إقامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، مأدبة عشاء لنظيره الروسي فلاديمير بوتين، على أنه مجرد تعبير عن حفاوة الاستقبال للرئيس الضيف.. وسياسيا يحمل عشاء برج القاهرة رسالة خارجية تصل لمرحلة «الكيد الدبلوماسي» خلال الرسالة المبطنة التي وجهها «السيسي» إلى واشنطن مفادها انتهاء زمن التبعة والانبطاح والانسياق لتعليمات البيت الأبيض.


خاصة أن قصة بناء برج القاهرة، تحمل بين سطورها عبق الريادة المصرية الحقيقية في ظل عهد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وكتب أكبر «لا» في تاريخ العلاقات «المصرية ــ الأمريكية».

قصة بناء البرج كما نقلها اللواء عادل شاهين وكيل جهاز المخابرات الأسبق في كتابه « برج القاهرة أول مهمة قومية للمخابرات العامة المصرية» وعرضته الزميلة «الشروق» عام 2013، بدأت بعد محاولة من المخابرات الأمريكية لاختراق الذمة المالية للرئيس جمال عبد الناصر، ففى عام 1955 تلقى الرئيس عبد الناصر من مستشاره السيد حسن التهامى، تقريرًا عن زيارته الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية، بناء على دعوة من السفير الأمريكى بالقاهرة لمقابلة بعض الشخصيات السياسية المهمة بواشنطن.

وكان مفاد اللقاء حينها، أن الولايات المتحدة الأمريكية تأمل في أن يكون لها علاقات طيبة ومتواصلة مع مصر، وأنها تقدر الرئيس جمال عبدالناصر وترى فيه الزعيم الذي يعمل بكل طاقته من أجل تقدم بلاده، وطالبت منه التخلى عن حركات التحرير وخاصة في الجزائر ضد الاحتلال الفرنسي، وخلال لقاء الذي جمع التهامى بضابط المخابرات الأمريكية مايلز كوبلن، المعاون الأول لـ«كيرميت روزفلت» مسئول الشرق الأوسط بجهاز «سي آي إيه» عام 1955، سلّمه حينها "كوبلن" حقيبة بها مليون دولار أمريكى، كهدية من الحكومة الأمريكية للزعيم المصري، الذي اعتبرها بدوره بمثابة «قنبلة للاغتيال المعنوى»، وأمر بإنفاقها في إقامة مبنى سياحى يكون شاهدًا على رفض المصريين للتطاول الأمريكى، وتم الاتفاق على أن يكون برجا شاهقا على نيل القاهرة.

كانت وجهة نظر عبد الناصر في بناء البرج، كما نقلها المؤرخ الراحل جمال حماد، وعدم تحويل المبلغ الضخم إلى البنية التحتية، أو الصحة أو الدعم العسكري، هي وجود بناء يخلد الموقف حتى لا يتدخل أحد بفرض نفوذه، ويغير إرادة مصر ومواقفها السياسية.

وعند تشيد برج القاهرة الذي جاء على شكل زهرة اللوتس الفرعونية تعبيرا عن الحضارة المصرية، كان له اسمان فالأمريكان أطلقوا عليه «شوكة عبد الناصر»، أما المصريون فقد أطلقوا عليه اسم «وقف روزفلت».

خلاصة قصة برج القاهرة وملابسات بنائه، تدل بما لا يدع مجالا للشك على أن "عشاء البرج" لم يأت من باب الحفاوة بـ"بوتين"، أو بهدف تمكن الرئيس الضيف من رؤية القاهرة خلال جلوسه بالمعطم الدوار، بقدر ما حمل رسالة سياسية خارجية مفادها «لا» مصرية جديدة ضد الغطرسة الأمريكية.
الجريدة الرسمية