عيون وآذان (دستور الإخوان للإخوان)
الجولة الثانية من الاستفتاء على الدستور المصري اليوم لن تختلف كثيراً عن الجولة الأولى، والإخوان المسلمون سيجدون غالبية تؤيد المسودة التي كتبوها مع حلفائهم بعد انسحاب ممثلي نصف الشعب المصري الآخر لرفض اقتراحاتهم.
قلت الدستور المصري تجاوزاً فهو دستور الإخوان للإخوان، وهم يفرضونه على النصف الآخر من المصريين ويقولون إنه حتى لو كانت النتيجة 51 في المئة ضد 49 في المئة فهي تعني ممارسة ديمقراطية يجب أن يقبل الخاسر بها.
هذا، بلغة يفهمها الإخوان، كلمة حق يراد بها باطل، فالاستفتاء تقاطعه غالبية ساحقة من القضاة الذين يفترض أن يشرفوا عليه، والديمقراطية لا تستحق اسمها إن لم تكن مشاركة لا استبعاداً، والإخوان يفرضون نظام الحزب الواحد على مصر ثم يقولون ديمقراطية، ما يذكّرني بكلمة ديمقراطية في اسم كل دولة شيوعية في المعسكر الاشتراكي البائد. بكلام آخر، كان في مصر الحزب الوطني والآن حزب العدالة والحرية، وكلاهما الحزب الشيوعي باسم آخر.
أكاد أقول إن الاستفتاء محاولة لإلهاء المصريين وإبعادهم عن المشاكل الحقيقية التي تواجهها بلادهم.
كان الرئيس محمد مرسي قد أطلق وعوداً للمئة يوم الأولى من إدارته ونحن الآن في المئة يوم الثانية، من دون تحقيق شيء على الإطلاق.
الاقتصاد المصري في الحضيض، وهو لا يعيش على قرض من صندوق النقد الدولي، بل إن القرض بما فيه من فوائد وشروط يؤذي الاقتصاد على المدى البعيد. وكانت مصر حققت انطلاقة اقتصادية هائلة في العقد الأول من هذا القرن، ولم تصل الفوائد إلى المواطنين بسبب الفساد، وجاء نظام حارب الفساد وحارب الاقتصاد معه.
بعد زيارة رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان مصر كَثُر الحديث عن اتفاقات اقتصادية بين البلدين إلا أن هذه الاتفاقات موجودة منذ سنوات، وكتبت عنها في هذه الزاوية بعد أن سمعت عنها مباشرة من أردوغان (حدثني ايضاً عن دور سورية في الملف الاقتصادي وقد خرجت سورية من المعادلة الآن) ومن بشار الأسد وجمال مبارك واللواء عمر سليمان. كان هناك ايضاً برنامج لإرسال الإنتاج الزراعي المصري يومياً الى دول أوروبا، وهي وصلت إلى اليونان وإيطاليا، وكان يفترض أن تصل الى فرنسا بعد ذلك. اليوم لا يوجد اقتصاد مصري، وإنما يوجد الحديث عنه.
الضائقة الاقتصادية تعني أن يزيد الفلتان الأمني، والمجرمون الذين فروا من السجون خلال الثورة لم يعودوا اليها، وما على القارئ إلا أن يرجع الى صفحات الجرائم في الصحف المحلية ليرى كيف ان المواطن المصري لم يعد آمناً على حياته ورزقه. زميلتي المصرية روت لي كيف سرقت سيارتها الجديدة، والعائلة كلها بداخلها. وقلت لها مستغرباً إن زوجها عسكري ولا بد انه كان يحمل مسدساً. وقالت انه كان يحمل مسدساً، إلا أن أربعة أشقياء أحاطوا بالسيارة وهم يحملون رشاشات خفيفة، اثنين من أمام واثنين من خلف حيث جلس الأطفال الثلاثة، صبيان وبنت. كانت هناك جريمة في العهد السابق إلا أنها حتماً لم تكن بهذا الحجم، وأنتظر أن أسمع من إخوانجي كيف يبرر الفشل في ضبط الأمن بانتشار الديمقراطية.
مصر بلدي قبل ان يكون بلد ثلاثة أرباع المصريين، بحكم العمر، وأزورها بانتظام، وسقوط الاقتصاد وتراجع الأمن الشخصي لا يؤثر فيّ شخصياً، وإنما أراه حولي. مشكلتي في مصر هي زحام المرور، فهو أيضاً ساء مع أن الرئيس مرسي جعله من أهداف المئة يوم الأولى. في كل بلد في العالم هناك ساعات معروفة للزحام، هي عادة في الصباح والموظفون ذاهبون الى أعمالهم، وفي نهاية النهار وهم عائدون الى بيوتهم. في مصر زحام المرور 24 ساعة في اليوم، والنتيجة زيادة تلوث الجو وجلوس المصري في سيارة بدل العمل في مصنع أو مكتب.
قبل نصف قرن أو نحوه كان هناك جمال عبدالناصر والملك فيصل، واليسار العربي واليمين يتبعهما، ولا أحد يجرؤ على الخروج عليهما. وقبل بضع سنوات فقط كان هناك حلف غير معلن بين مصر والمملكة العربية السعودية وسورية، قادر في الأزمات الكبرى أن يفرض إجماعاً عربياً. اليوم سورية أصبحت ساحة قتل يومي، ومصر تتحول الى أفغانستان، والسعودية وحدها فلا يوجد حلف من بلد واحد.
وكنا ننتظر القيادة والريادة والرشادة من مصر، وأصبحنا نحاول أن نعينها. الله المستعان يا إخوان.
نقلاً عن الحياة اللندنية