رئيس التحرير
عصام كامل

محكمة القضاء الإداري تلزم مرشحي النواب بتحمل التكاليف المادية للفحوصات الطبية.. وتؤكد: مصلحة البلاد مقدمة على الأفراد.. الترشيح حق شخصي للمترشح.. وترد على الادعاء بأن الكشف الطبي لم ينص عليه القانون


حكمت اليوم السبت، محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية الدائرة الأولى بالبحيرة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي، نائب رئيس مجلس الدولة، بعدم قبول الدعوى المقامة لإلزام الدولة بتكاليف الكشوفات الطبية على مرشحي البرلمان.


عدم قبول الدعوى
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى شكلا، لانتفاء القرار الإداري باعتبار أن قرار رئيس اللجنة العليا للانتخابات بإلزام طالب الترشيح لمجلس النواب بالتقدم لتوقيع الكشف الطبي عليه بالمستشفيات التي تحددها وزارة الصحة؛ لبيان مدى تمتعه باللياقة البدنية والذهنية والنفسية بالقدر الذي يكفي لأداء واجبات العضوية، وأنه ليس من متعاطي المخدرات والمسكرات مقابل سداد التكلفة الفعلية التي قدرتها وزارة الصحة بـ 4200 للكشوف الطبية والفحوص اللازمة، فهو قرار تنفيذي لحكم محكمة القضاء الإداري بالقاهرة في الدعوى رقم 20868 لسنة 69 قضائية بجلسة 20 يناير 2015، وليس قرارا إداريا بالمفهوم المستقر عليه وألزمت المدعي بالمصروفات.

وجوب إجراء الكشف
وقالت المحكمة: إن الادعاء بتحمل المرشحين للنواب تكلفة الكشوف الطبية والفحوص اللازمة لها، تمييز بين المترشحين على أساس النصاب المالي بإقصاء غير القادر ماديا عن سداد تلك المبالغ عن مباشرة حقه السياسي، فذلك مردود عليه بأنه في مجال تغليب المصالح، فإن المصلحة العليا للوطن تفوق المصالح الخاصة للأفراد، وأن وجوب إجراء الكشف الطبي المذكور على نحو ما كشف عنه حكم محكمة القضاء الإداري الدائرة الأولى بالقاهرة الصادر بجلسة 20 يناير 2015 حقا وصدقا وعدلا، كان لتحقيق غاية مثلى تمس أجيال الأمة، وتتعدى في مغزاها وفحواها مجرد حق شخصي لكل مترشح على حدا، تتمثل في أنه يتعين ألا يكون المترشح لانتخابات مجلس النواب ممن يتعاطون المخدرات والمسكرات أو مصابا بأحد الأمراض البدنية والذهنية والنفسية بالقدر الذي لا يكفي لأداء واجبات العضوية، بما يؤثر على قدرات المشرع في سن القوانين، لأن البرلمان ليس آلة للتشريع ولكنه عقل التشريع؛ سعيا لتحقيق وكفالة الاختيار الأمثل لأعضاء المجلس، ووصولا إلى تشكيل مجلس نواب جدير بمصر الحديثة بعد أن خاض شعبها الأبي ثورتي 25 يناير 2011 و30 يونيو 2014؛ ليحقق طموحاته نحو العيش بحرية وكرامة إنسانية تحت ظلال العدالة الاجتماعية على نحو ما تضمنته وثيقة الدستور.

وأضافت المحكمة، أن وجوب الكشف الطبي المذكور غايته اختيار مجلس نيابي يليق بحضارة مصر الضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، وتلافيا للشبهات التي حاقت ببعض المجالس النيابية السابقة، ما كان له مردوده السيئ في التغول على حقوق الأفراد وحرياتهم، فكان حريا بألا يتضمن مجلس النواب القادم من بين أعضائه على سبيل المثال، من يتعاطى المخدرات والمسكرات حتى يكون قادرا على الوفاء بعظيم الاختصاصات المسندة إليه في الدستور بموضوعية ونزاهة وشفافية.

قاعدة قانونية
وذكرت المحكمة، أن الادعاء بأن الكشف الطبي لم ينص عليه القانون فإن الرد عليه أن القاضي الإداري إعمالا لأحكام الدستور والقانون هو الذي ينشئ القاعدة القانونية العادلة؛ لتحيا في توازن دقيق بما يملكه من أدواته الفنية الإبداعية المحسوسة والملموسة في ضوء النصوص الدستورية والقانونية، وبما يحقق التناغم بين هذه النصوص دون تصادم أو تنافر، والحاصل أن سكوت المشرع عن النص على تمتع المترشحين لمجلس النواب باللياقة البدنية والذهنية والنفسية بالقدر الذي يكفي لأداء واجبات العضوية، وأنهم ليسوا من متعاطي المخدرات والمسكرات جاء تأكيدا لاستقراره كأصل من الأصول العامة التي لا تحتاج لنص لتقريرها، فليس من المقبول أو المعقول أن المشرع يشترط لمباشرة الحقوق السياسية للمواطنين ألا يكون المواطن مصابا باضطراب نفسي أو عقلي، المتمثلة في إبدائه الرأي في الاستفتاءات التي ينص عليها الدستور وفي انتخابات رئيس الجمهورية والانتخابات النيابية والمحلية، ثم لا يشترط ذلك في ممثلي الشعب المترشحين أنفسهم لانتخابات مجلس النواب، فكيف يتحقق المانع في الأصيل أي الشعب ولا يتحقق في وكيله الذي يمثله؟، وهم نوابه الأولى والأوجب التحقق من خلوهم من هذا المانع حتى ينالوا شرف تحمل أمانة تمثيل الشعب في وضع القوانين ومراقبة الحكومة في أدائها.

تحمل المرشح التكاليف

وأكدت أنه لا عبرة كذلك بما ذكره المدعي من وجوب تحمل الدولة تكاليف الكشف الطبي لمترشحي مجلس النواب، ذلك أن الترشيح يعد حقا شخصيا للمترشح فلا يمكن إلزام صاحبه بمباشرته دون أن يكون له الحرية في إجرائه، ومؤدى ذلك ولازمه أنه لا يجوز تحميل الدولة بمقابل التكلفة الفعلية للكشوف الطبية والفحوص اللازمة لمن يرغب الترشيح وسعت إرادته إليه.

عمل تنفيذي

واختتمت المحكمة حكمها، بأن قرار اللجنة العليا للانتخابات بوجوب إجراء الكشف الطبي المذكور بمقابل سداد التكلفة الفعلية التي تقدرها وزارة الصحة للكشوف الطبية والفحوص اللازمة، هو محض عمل تنفيذي لحكم القضاء الإداري بالقاهرة ولا يرقى إلى القرارات الإدارية بالمفهوم الفني الدقيق الذي استقر عليه قضاء مجلس الدولة منذ إنشائه، والصادرة بناء على السلطة التقديرية، ذلك أن المركز القانوني لسائر المترشحين ومن بينهم المدعي قد أنشأها حكم القضاء الإداري بالقاهرة، الذي لا تملك اللجنة العليا الفكاك منه سوى تنفيذه نزولا على ما للأحكام القضائية من حجية مطلقة على الكافة، ودون أدنى تقدير منها، وبحسبان أن الأحكام طبقا للدستور تصدر وتنفذ باسم الشعب وتكفل الدولة وسائل تنفيذها بحيث يكون الامتناع عن تنفيذها أو تعطيل تنفيذها جريمة يعاقب عليها القانو،ن وهو الأمر الذي راعته اللجنة العليا للانتخابات.

صدر الحكم برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية المستشارين محمد حراز ووائل المغاوري، نائبي رئيس مجلس الدولة.
الجريدة الرسمية