رئيس التحرير
عصام كامل

زاب أزمة جيل!


دهشتي لم تكن لوجود مثل كتاب «زاب ثروت» المكتوب بلغة عامية ركيكة وألفاظ بذيئة وأسلوب سرد مشابه لأسلوب تلميذ في الصف الخامس الابتدائي بين أروقة معرض القاهرة للكتاب، ولم تكن دهشتي أيضا لهذه الضجة المصطنعة حول الكتاب وحفل التوقيع الذي أعاد للأذهان سيناريو حفلات «مطرب الجيل» في بداياته عندما كان يستعين بـ فتيات كومبارس يقمن بدور المعجبات، ويمثلن الإصابة بحالات إغماء بمجرد ظهور سارق قلوب العذارى أو لأن الكتاب الضحل هابط المستوى غير معروف تصنيفه أو تحت أي لون من ألوان الكتابة يندرج، قد وزع منه 15 ألف نسخة، إنما كانت دهشتي لاندهاش المندهشين من ظهور مثل هذا النوع من الكتابات وكأنهم يعيشون في مجتمع سوي لم يضرب العفن جذوره - منذ 4 سنوات – ونخر السوس عصب هرمه القيمي والمعياري، فلماذا الاندهاش أيها الأفاضل؟!.. ألسنا في زمن أشباه الرجال وأنصاف الموهوبين الذين يرفعون شعار «بالفهلوة سنحيا نجومًا»؟.. لماذا الاندهاش من اعتلاء هذا الـ «زاب» عرش الكتابة وتتويجه فارسًا لأحلام البنات؟!


ظهور هذا النوع من الكتابة والكُتاب أمر طبيعي ومتسق مع العقول الخربة التي طفت على سطح المشهد بعد الأحداث الجسام التي مرت بها مصر، فأن يحقق مثل هذا النوع من الكُتب رواجًا بين الشباب لهو دليل على أننا نعيش أزمة هوية ثقافية وأدبية وأخلاقية، فمن اشترى هذا الكتاب وساهم في أن يحقق أرقامًا قياسية هو نفسه الشاب المنتمي لذاك الجيل الذي خرب بلاده باسم الثورات ودمر الجامعات وكون مليشيات الألتراس، هو جيل السبكي وقلب الأسد وصافيناز وأوكا وأرتيجا و"اديك في الجركن تركن"، هو الجيل الذي اختصر حقوق الإنسان في التظاهر والحرية في السباب والتطاول، هو الجيل الذي نعت جيل الوالد والجد بالعرة، هو الجيل الذي أصيب بالتبول الثوري اللاإرادي واعتنق مذهب الفوضى وجعل ممن حرق تراثه الفكري والثقافي في المجمع العلمي بطلًا، هو جيل البوكسر وذيل الحصان والتمويل، جيل الهري والفتي في كل شيء دون علم، هو جيل الديمقراطية التفصيل التي تحلل له إبداء الرأي ويحرم ذلك على غيره، هو جيل الشائعات والمصطلحات البذيئة من نوعية «بيض وفشخ» هو الجيل الذي يشمت في أزمات بلاده ويفرح لكوارثها ويتمنى فشل قائدها لا لشيء سوى لإثبات صحة وجهة نظره، هو الجيل الذي يبرر الإرهاب ويلتمس الأعذار للإرهابيين ويرى في مواجهة الجيش والشرطة للعناصر التخريبية قمعا وبلطجة.

هو الجيل الذي استبدل لغة العقل والمنطق بالشرشحة والاستهزاء والسخرية، هو الجيل الذي يمارس الابتزاز لـ لي ذراع الدولة، هو الجيل الذي ينفذ أجندات أعداء الوطن بقصد أو بدون قصد، جيل مناضلي الفيس بوك وتويتر، هو الجيل الذي أضاع من عمر هذا البلد 4 سنوات في الفوضى والانقسام وانهيار الاقتصاد، هو الجيل الذي اعتاد تشويه تاريخه وبيع ماضيه وتشويش حاضره وإضاعة مستقبله في تفاهات، هو الجيل الذي احترف الثرثرة وإيذاء النفس والغير.

«زاب» أيها المندهشين ليس مجرد شخص بل حالة توضح مدى الانهيار الذي وصل إليه الحس الجمالي والقيم الذوقية لدى المصريين، فـأصبح لدينا في كل مجال «زاب»، كإفراز طبيعي لما يعيشه هذا الجيل التائه الجاني والمجني عليه، الذي يحتاج إلى معجزة من السماء تعيد إليه نفسه وهويته الضائعة.

awaad99@gmail.com
الجريدة الرسمية