يعيش مولانا "قصة خيالية من التاريخ القريب"!
استطاع مولانا (إمام جمعة) الوصول لحُكم البلاد بعد سنين من العذابِ والمُعاناة، فقد خلالها إحدى زوجاته وابنًا وإصبعًا من يُسراه، فبعد الثورة الشعبية التي أطاحت بالنظام الديكتاتوري الظالم الفاسد، تمكن مريدو مولانا من وضعه على كرسي الحُكم، مقتنعين بقدرته على النهوض ببلادهم ووضعها في مصاف الدول العُظمى خلال أشهر قليلة، مثلما وعدهم عبر خُطبه المتتالية في مسجده المفضل، وأيضًا عبر التليفزيون والراديو والإنترنت والمنشورات والصحف والمجلات وحملات طرق الأبواب!
لم يستطع مولانا بعد وصوله للحُكم، التخلص من الحرس الرئاسي رغم تبعيته للحاكم القديم، وأبقى على أفراده لكونهم أشداء أقوياء مُدربين جيدًا، إلا أنه تخلص من قائدهم فقط، وما لبث أن قام بتعيين عدد من أتباعه ومُريديه في مناصب رفيعة في الدولة ليكونوا بالقُرب منه دائمًا؛ علشان الونس والدفا!
بعد مرور فترة ليست بالقصيرة من حُكم مولانا، ظهر سُخط أعداد ضخمة من الشعب على فشل الحاكم الجديد في إدارة شئون البلاد، وسماحه لأتباعه ومُريديه وعشيرته بالإفساد في الأرض، بصورة ذَكَّرَت الجميع بأفعال أتباع الحاكم السابق الذي ثاروا ضده وخلعوه، ثم ارتضوا بالحاج (إمام جُمعة) رئيسًا صالحًا مؤمنًا مثلما اعتقدوا، أو اعتقد بعضهم، مُتسببًا في أزمة عالمية لليمون، لدرجة أن الناس كانت بتروح تلحس أرض كوبري الليمون الشهير!
جرت العديد من الحوارات بين (مؤيد) يحاور الحاكم، وأحد أقرب رجاله منذ فترة طويلة قبل وصوله للحُكم، وبين (عبد القوي)، الحارس الأول للحاكم الحالي، كان (مؤيد) دائم المديح والثناء على صلاة الحاكم وصيامه وقيامه، مفتونًا بزُهده المزعوم في الحياة وحكمته في مُعالجة الأمور، إلا أن (عبد القوي) بادره ذات مرَّة:
على فكرة سيادة الحاكم لم يصلِّ العشاء أمس، ولا الفجر اليوم!
رد (مؤيد):
مسكين، كثير المشاغل، بالتأكيد كان مُرهقًا من كثرة العمل!
عاجله (عبد القوي) مبتسمًا:
أبدًا، لقد تناول عشاءً فاخرًا للغاية به عشرة أصناف على الأقل، وكان معه بعض الضيوف وأسرفوا في شرب الخمر!
هذا الكلام كذب، أنا لا أصدقه على مولانا وشيخنا الحاكم!
لكني حارسه الأول ولا أفارقه مُطلقًا، وأرى كل شيء بعينىَّ!
حسنًا.. إنه يعمل كثيرًا ويجهد نفسه كثيرًا من أجل الوطن، ومن حقه بعض الراحة، هذا ليس حراما، وقليل من الخمر فيه شفاء، ثم إنه ليس من حقك أن تروي ما تراه دائمًا!
بعد فترة قصيرة قرر الحاكم أن يتعلَّم الرماية، فأحضروا له الأدوات اللازمة، وبدأ في تلقي الدروس دون أن يُفارقه (مؤيد) و(عبد القوي)، وفي إحدى المرَّات انشغل بالحديث مع أحد معاونيه، فأطلق رصاصة على سبيل الخطأ، استقرت في كتف (مؤيد) على بُعد سنتيمترات قليلة من القلب، فقال المُصاب مُعقبًا بعد ذلك:
صناعة المسدسات في بلدنا فاسدة منذ أيام الحاكم السابق، عليهم أن يزودوها بالمزيد من عوامل الأمان؛ لتمنع انطلاق رصاصات خاطئة!
أجابه (عبد القوي):
لكننا قلنا لسيادته ألا ينشغل بالحديث أو أي أمر آخر وهو يحمل السلاح، وهذه تعليمات هامة وبديهية في دروس الرماية.
قاطعه (مؤيد):
كيف لا ينشغل، وهو الذي يحمل هم الوطن بالليل والنهار، ثم إنه أمر بعلاجي على نفقة الخزانة العامة، كان الله في عونه، ونصره على المتربصين!
في أحد الأيام قرر (مؤيد) التوجه لمولانا الحاكم لإيقاظه لصلاة الفجر، بعد أن لاحظ أنه لم يؤدها جماعة منذ فترة، وعند الوصول لباب الجناح الرئاسي، استوقفه (عبد القوي) طالبًا منه الانصراف، وقعت مشادة بينهما، واتهم (مؤيد) (عبد القوي) بإبعاد الرئيس عن طريق الهداية، ومنعه من إيقاظه للصلاة، وحاول (عبد القوي) صرف (مؤيد) بلا جدوى، حتى فوجئا بالباب يُفتح، وتخرج منه امرأة، هتف (مؤيد) على الفور:
أمي؟!
قال (عبد القوي) بأسف:
لقد حاولت إبعادك حتى لا ترى هذا المشهد!
صمت (مؤيد) لحظات، قبل أن يرد:
ولماذا ترفض أن أرى هذا المشهد الجميل؟.. لقد سبقتني أمي لتوقظ مولانا الرئيس؛ لكي يلحق بصلاة الفجر!