أكبر وأخطر عملية نصب في العالم!
نعم.. هذا يحدث في مصر، أم الدنيا، وأم الكوارث، وأم المآسي، وأم «مافيا الدروس الخصوصية» الذين يلتهمون أكثر من 15 مليار جنيه سنويًا من جيوب المصريين، بحجة مساعدة أبنائهم في الحصول على «حتة ورقة» تسمى شهادة «لا تسمن ولا تغني من جوع»، وتضيف «عاطلًا» جديدًا إلى طابور البطالة، وتساهم في تقدم بلادنا نحو «الخلف»!
لقد بُحت أصوات الصحفيين والإعلامين والمفكرين والمتخصصين وأولياء الأمور؛ لمطالبة الحكومة بإيجاد حل لهذه المأساة، فتمخضت الحكومة فولدت قانون «الكادر»، الذي كلّف المصريين أكثر من 8 مليارات جنيه؛ لتحسين أحوال المعلمين؛ وليتقوا الله في أبنائنا، لكنهم لم يفعلوا ذلك، وتمادوا في ابتزازهم، ورفعوا «البنديرة»؛ لتصل في بعض الأحيان إلى 150 جنيهًا في الساعة الواحدة.. أي والله في الساعة الواحدة!
كما أن وزراء التربية التعليم الذين تعاقبوا على الوزارة «صدعونا» بالحديث عن تشريعات وإجراءات صارمة للحد من هذه الظاهرة «المتجذرة»، أو للقضاء عليها نهائيًا، لكن هذه القرارات والتصريحات كانت مجرد «طق حنك»- كما يقول إخواننا الشوام!
بل والمدهش حقًا أن قرارات وزراء التربية والتعليم بـ«حظر الدروس الخصوصية»، وإحالة المدرس المتورط في هذه الجريمة إلى لجنة تأديب، يقابلها «تحدٍ واضح» من «مافيا» هذه الظاهرة، الذين يخرجون ألسنتهم لكل الأجهزة المعنية؛ بزيادة الدعاية على أنفسهم، في شوارع المحروسة، وعلى جدران المدارس، بل والإعلان عن مراكزهم في بعض وسائل الإعلام؛ مصحوبة بالعنوان، وأرقام الهواتف الأرضية والمحمولة، والإيميل أيضًا؛ مطلقين على أنفسهم ألقابًا لو سمعها «سيبويه، وابن سينا، وجابر بن حيان، والجبرتي، والخوارزمي، وأينشتاين» لماتوا بالحسرة.
والأخطر من ذلك كله ليس في سطو المدرسين على جيوب المصريين، بل السطو على «عقولهم»، و«برمجة» أدمغتهم آليًا، دونما تفكير أو إعمال للعقل.
كما أن المدارس- كل المدارس بلا استثناء، حكومية أو خاصة أو لغات أو دولية- تخلت عن دورها التربوي والتعليمي، وتحولت إلى «وسيط» بين المدرس والتلميذ؛ للاتفاق على الدروس الخصوصية، فأغلقت الفصول، وأهمل المعلمون الشرح داخل مدارسهم؛ مكتفين بالتوقيع في دفتر الحضور والانصراف؛ لتنظيم مواعيد الدروس، واستقطاب ضحايا جدد من التلاميذ؛ لـ«مص دم أولياء أمورهم»، وأتحدى الوزير أن يذكر لي اسم مدرسة واحدة لا تتم فيها هذه الجريمة.
إنني أطالب الرئيس عبد الفتاح السيسي، وكل الجهات المعنية بسرعة التدخل؛ لإنقاذ مستقبل التعليم، ومستقبل أبنائنا، والقضاء على هذه الظاهرة، التي لا تقل خطورة عن ظاهرة الإرهاب، أو للحد منها، على الأقل، وذلك بتوفير حياة كريمة للمدرسين، بزيادة رواتبهم مرة أخرى، ومساواتهم- على الأقل- بـ«الفراشين» في شركات البترول- ثم التوسع في إنشاء مدارس جديدة، بما يضمن تخفيف كثافة التلاميذ داخل الفصول، ثم سن تشريعات قانونية تُجرم الدروس الخصوصية، وتطبيق هذه القوانين بكل حسم على كل مدرس يمارس هذه الجريمة، واستئصال كل العناصر الفاسدة في المنظومة التعليمية..
أما بالنسبة للمناهج الدراسية، فهذه جريمة نتناولها لاحقًا.