رئيس التحرير
عصام كامل

استقالة عضو من لجنة استيراد اللحوم بسبب الهرمونات.. عبد العزيز: اللجنة تتعرض لضغوط كبيرة.. المرصفي: لا نمتلك تقنيات لكشف المركبات الناتجة عن الهرمونات.. «أبو السعود»: تسبب السرطان والنضج الج


الهرمونات مصطلح يتكرر كثيرًا كتفسير لكوارث أمراض السرطان والفشل الكلوي، وقبل ثلاثة أعوام ثار الجدل حول تسبب شحنات اللحوم الحية المستوردة من الخارج في إصابة المصريين بأمراض شتى عقب اكتشاف شحنة عجول حية أسترالية عام 2012 مكونة من 32 ألف رأس عجل، تبدو عليها آثار الأنوثة، وهو ما دفع مسئولى الطب البيطري في محاجر السويس إلى الشك في الحالة غير الطبيعية لتلك العجول.


وفجرت هذه الواقعة وقتها أزمة اللحوم المهرمنة وخطرها على صحة المصريين، وعلى إثر ذلك تشكلت اللجنة المصرية لوضع المواصفات القياسية لاستيراد اللحوم عام 2013، وضمت في عضويتها علماء وممثلين للحكومة وبيطريين، للخروج بمواصفات قياسية تمنع دخول اللحوم المهرمنة إلى مصر.

استقالة عضو باللجنة
وقبل أيام تقدم الدكتور مصطفى عبد العزيز، باستقالته من هذه اللجنة، معلنًا أنه تعرض لضغوط كثيرة لعدم تطبيق تلك المواصفات، التي أقرت الالتزام بعدم دخول أي شحنات يثبت حقنها بالهرمونات "الصناعية" بخلاف الطبيعية التي سمحت بها المواصفات.

وأكد عبد العزيز لـ "فيتو"، أن استقالته جاءت بعد مشوار طويل لمحاولة إقرار المواصفات المصرية الجديدة التي كان من المقرر تطبيقها بداية من أول يناير 2015، ولكن حتى تقديمه استقالته في منتصف شهر يناير لم تكن طبقت بعد.

وأوضح أستاذ الطب البيطري، أنه لا يعلم الآن شيئا عن اللجنة، التي ضمت اجتماعاتها حضور ممثلين للسفارة الأمريكية وعلماء ومصدري لحوم أمريكيين لمحاولة إقناعهم بعدم خطورة تلك الهرمونات، فحضر أستاذان من جامعة كلورادو لتوضيح عدم ضرر تلك الهرمونات بالإنسان، وهو ما رفضه أغلب أعضاء اللجنة والعلماء.

وأضاف عبد العزيز، أن الأمريكيين اعتمدوا على فكرة أنه لا يوجد أي إثبات علمي بأن من يتناول اللحوم المهرمنة بقدر معين يصاب بالسرطان لعدم وجود تتبع علمي لمتناول اللحوم المهرمنة، مشيرا إلى أن اللجنة رفضت هذا الافتراض الأمريكي وأصرت على موقفها.

وأكد عبد العزيز، أن اللجنة تعرضت لضغوط حكومية داخلية أكثر من الخارجية، مشيرا إلى أن الحوار مع ممثلي الحكومة من وزارة الصناعة كانوا يصرون على أن تطبيق مثل تلك المواصفات سيحدث عجزًا في المعروض من اللحوم، وسيحدث أزمات سياسية لمصر مع دول أخرى، وعلى إثر ذلك تقدم باستقالته.

الدكتور لطفي شاور، رئيس التفتيش على مجازر محافظة السويس، ومكتشف شحنة العجول الأسترالية العام التي ظهرت عليها الهرمونات بنسب كبيرة عام 2012، أكد أن مصر لا توجد بها أي تقنيات للكشف عن مركبات الهرمونات ونواتج تكسرها داخل جسم الإنسان، والدليل تصرف الحكومة اتجاه تلك الشحنة عام 2012، وقتما شكل هشام قنديل - رئيس الوزراء الأسبق - لجنة لسلامة الغذاء برئاسة الدكتور حسين منصور؛ لكشف حقيقة تلك لشحنة.

وأضاف أن اللجنة لم تخرج بنتيجة تحليل واحدة، ولكنها أوصت بنزع كبسولات الهرمونات جرحيا من العجول، التي تثبت خلف الأذن وفي الرقبة وتركها في الحجر 60 يوما حتى يختفي أثر الهرمون، وهو ما يؤكد عدم وجود تقنيات.

أجهزة الكشف عن الهرمونات
وأكد شاور، أن الدكتور أشرف المرصفي - رئيس المعمل المركزي لمتبقيات المبيدات والعناصر الثقيلة في الأغذية بوزارة الزراعة -  قال: "إن مصر لا تملك تقنيات للكشف عن المركبات الناتجة عن الهرمونات، وأن ذلك سيكون بعد عامين".

وأجرت اتصالا بالدكتور أشرف المرصفي، ولكنه رفض الحديث وقال "ما بتكلمش مع صحفيين"، وطلب تحديد ميعاد من خلال العلاقات العامة ولم يرد.

وتابع الدكتور لطفي شاور: "إن الهرمونات الأنثوية كالاسترديون بى 17 الذي تحقن به العجول ثبت وجوده في الشحنة الأسترالية بنسبة 3400 نانو جرام، والنسبة المسموح بها 240 نانو جرام، وهذا الهرمون ينتج عنه مركبات أخرى أكثر ضررًا وتسبب النمو غير الطبيعي للأنسجة السرطانية، وهو ما يصعب اكتشافه من خلال الأجهزة الموجودة حاليًا إلى جانب ابتكار توليفات هرمونات كثيرة في الخارج لخداع أجهزة الكشف عن الهرمونات".

وأكد شاور، أن الأجهزة الحالية لا تكشف إلا هرموني الزيرانول والترنبولون، وهما مركبان لهرمونات صناعية تماثل هرمونات الذكورة والأنوثة الطبيعية.

وقال الدكتور محمد جلال عجور، رئيس معهد صحة الحيوان بوزارة الزراعة: "إن الوزارة تملك جهاز lc-ms-ms، والمختص بالكشف عن الهرمونات داخل اللحوم وهو أكثر الجهزة تطورًا في هذا المجال"، مشيرًا إلى أن الجهاز موجود أيضًا في المعمل المركزي لمتبقيات المبيدات وثمنه 4 ملايين جنيه، وقادر على اكتشاف نوعين من الهرمونات الزيرانول والترنبولون.

وأضافت الدكتور صفاء أبو السعود، الباحثة في وحدة الهرمونات بمعهد بحوث صحة الحيوان، أن جهاز الـ "lc-ms msK" يحلل هرمونا "الزيرانول والترنبولون"، ولكن تكمن الأزمة في المركبات التي يحدثها هذان الهرمونان بعد تكسيرهما داخل الجسم بواسطة الكبد".

وأكدت أن بعض الهرمونات تساعد في عملية بناء البروتين، وبالتالي زيادة نمو العضلات وتحسين نمو الحيوان وزيادة إنتاج اللبن وتسمى محفزات النمو، ومن أهمها الهرمونات الاسترويدية كهرمون الذكورة (التستوستيرون) والهرمونات الأنثوية كهرموني (الأستروجين والبروجيستيرون)، بالإضافة إلى استحداث هرمونات مصنعة أخرى من شأنها أن تحاكي تلك الهرمونات التي يفرزها الجسم بشكل طبيعي ومن أبرزها وأكثرها شيوعا في الآونة الأخيرة هو هرمونا الزيرانول والترنبولون.

وأضافت أن استخدام تلك الهرمونات كمحفزات للنمو لزيادة الإنتاج الحيواني ومضاعفة الربح هو سلاح ذو حدين، إذ أن المتبقيات الضارة من هذه الهرمونات ترتبط بنفس مستقبلات الهرمون الطبيعي ومن ثم تحدث خللا في التوازن الطبيعي لوظائف الجسم، بالإضافة إلى صعوبة التخلص منها كمتبقيات ضارة في جسم الإنسان، إلى جانب إحداثها مركبات جديدة أكثر ضررًا.

وأشارت الدكتور صفاء، إلى أن هناك معايير كثيرة تحكم استخدام تلك الهرمونات التي تختلف من دولة لأخرى، فهناك بعض الدول التي تستخدم الهرمونات كمحفزات للنمو مع منع ذبح الحيوان قبل الفترة المحددة التي بها يصل الهرمون في جسم الحيوان إلى النسبة المسموح بها دوليا، التي تنظمها بعض المنظمات الدولية، وقالت: "لكننا نجد أن الاتحاد الأوربي يجرم أو يمنع استخدام الهرمونات كمحفزات للنمو، وكذلك يمنع الاستيراد من الدول المستخدمة لها، وذلك منذ عام 1998 وإلى الآن، لضمان الحفاظ على الصحة العامة للإنسان".

مخاطر الهرمونات
أما عن مخاطر تلك الهرمونات فتؤكد صفاء، أن الخطورة تكمن في وجود متبقيات هرمونية في جسم الإنسان خاصة المخلقة منها في كونها تترسب في الدهون تحت الجلد، بالإضافة إلى صعوبة التمثيل الغذائي لها بواسطة الكبد ومن ثم صعوبة التخلص منها بشكل نهائي مما يؤدي إلى زيادة احتمال حدوث مخاطر عديده من أهمها النضج الجنسي المبكر وعدم انتظام الطمث مع تزايد احتمال الإصابة بسرطان الثدي لدى الإناث، وظهور علامات أنثوية في الفتيان الصغار مع خلل في نمو الأعضاء الذكورية الجنسية لديهم.

جدير بالذكر، أنه في نوفمبر 2010 نشرت وكالة حماية البيئة الأمريكية (EPA) قائمة تضم 134 مادة كيميائية تعتبر من الأسباب الرئيسية لإحداث الخلل الهرموني في جسم الإنسان وما له من تبعات، وتشمل هذه القائمة عددا كبيرا من المبيدات الحشرية والمنتجات البلاستيكية والبتروكيميائية.

وتؤكد صفاء أن هناك نشاطا كبيرا يحدث في الخارج للتحايل على أجهزة كشف الهرمونات بابتكار توليفات جديدة من الهرمونات تخدع أجهزة الكشف وهو ما يعد خطرًا داهمًا. 

مصادر مطلعة في وزارة الزراعة، أكدت لـ"فيتو" أن شحنات عديدة من اللحوم المهرمنة دخلت مصر بعد أن أصدر معهد بحوث صحة الحيوان نتائج تحليل إيجابية بوجود الهرمونات وتعديها الحدود المسموح بها، ولكنها دخلت بواسطة إجراء التحاليل مرة أخرى في المعمل المركزي لمتبقيات المبيدات الذي أخرج تحاليلا سلبية بخصوص الهرمونات الضارة، رغم إجراء معهد صحة الحيوان التحاليل بكافة أشكالها وبأكثر من طريقة ينتفي معها عدم صحتها واعتماد غيرها من النتائج السلبية.

وأرجعت المصدر ذلك إلى ضغوط سياسية تمارس من الداخل والخارج لاستمرار بيزنس اللحوم المهرمنة التي توفر سعرا منافسا لتلك الدول لبيعها في دول العالم الثالث بأسعار منخفضة، على الرغم من حظر بيعها في تلك الدول أو إطعامها للمواطنين، لذلك يرتفع سعر اللحوم في تلك الدول عن دول العالم الثالث بفارق كبير.
الجريدة الرسمية