رئيس التحرير
عصام كامل

«ملك الفجر».. الشيخ «الصياد» نشأ يتيمًا وعاش كريمًا ولبى نداء ربه في أيام مباركة.. أتم حفظ القرآن في السابعة.. وأول من قرأ القرآن بأرض سيناء بعد تحريرها بحضور السادات


"انظروا وتمعنوا في هذا الشاب النائم أمامكم فإن له مستقبلًا عظيمًا في دنيا تلاوة القرآن الكريم"؛ جملة نطق بها الشيخ مصطفى إسماعيل، رحمه الله، مشيرًا لتلاميذه بيده على أحد الشباب، وكان نائمًا في صحن الأزهر الشريف، وكان ما تنبأ به الشيخ، فمن الشاب وما قصته؟ إنه القارئ الشيخ شعبان الصياد، كروان التلاوة، رحمه الله.


احتفل محبو الشيخ أمس، التاسع والعشرين من يناير بذكرى رحيله السابعة عشرة، وهو من مواليد قرية "صراوة" التابعة لمركز أشمون بمحافظة المنوفية عام ١٩٤٠، تلك القرية التي عرفت بقرية القرآن الكريم وتتميز بكثرة الكتاتيب والمحفظين.

نشأ "الصياد" الذي كان يتمتع بعذوبة صوته في منزله الريفي لأب أزهري هو الشيخ عبد العزيز الصياد، والذي كان صوته ملائكيًا يشبه صوت الشيخ محمد رفعت.

توفي والده وهو في الرابعة من عمره، فعاش يتيمًا، وتعهدته والدته بالرعاية، فألحقته بكتاب الشيخ "جاد أبو غريبة"، العالم الجليل بالأزهر الشريف، وعلى يديه عرف "الصياد" أسرار التلاوة وطرقها السبع، وساعده في سرعة الحفظ والأداء إقباله الشديد على التعلم، وكان شيخه دائم الثناء عليه، وبين الحين والآخر يجعله يتلو بصوته الجميل ما حفظه من القرآن الكريم.

أتم "الصياد" حفظ القرآن الكريم كاملًا، وهو في السابعة من عمره، فالتحق بالمعهد الدينى الابتدائى وأثناء دراسته في المعهد كان أساتذته يعلمون موهبته الصوتية، فكانوا يجعلونه يتلو آيات الله البينات في الفصل، وكان يفتتح أي مناسبة بالمعهد الذي يدرس به، وأتم "الصياد" المرحلة الابتدائية وعُرف وقتها في البلدة كلها بحلاوة صوته وعذوبته وتمكنه من التلاوة السليمة الصحيحة، ثم أكمل دراسته في المعهد الدينى بمدينة منوف.

التحق "الصياد" بجامعة الأزهر، بكلية أصول الدين شعبة العقيدة والفلسفة واضطر إلى الإقامة في القاهرة، وكان يجمع بين الدراسة التي كان متفوقًا فيها، ودعواته إلى المناسبات المختلفة.

وأعجب الشيخ شعبان ببعض القراء منهم الشيخ محمد رفعت والشيخ مصطفى إسماعيل، والأخير قارئه المفضل وكانت له قصة معه، ففى إحدى الليالى كان "الصياد" عائدًا من مناسبة كان يتلو فيها كتاب الله، وعاد إلى صحن الأزهر الشريف، وكان يستعد للامتحان في اليوم التالى لهذه السهرة، وعند عودته مباشرة بدأ في الاستذكار وغلبه النوم، فنام وفى هذه الأثناء كان الشيخ مصطفى إسماعيل في جامع الأزهر لصلاة الفجر، وإذ به يرى "الصياد" وهو نائم وفى يده كتابه الذي سوف يمتحن فيه صباحًا فقال لمن معه: "انظروا وتمعنوا في هذا الشاب النائم أمامكم فإن له مستقبلًا عظيمًا في دنيا تلاوة القرآن الكريم".

أتم "الصياد" تعليمه الجامعى وتخرج في كلية أصول الدين شعبة العقيدة والفلسفة، وحصل على الليسانس بدرجة جيد جدًا في ١٩٦٦ ورشح للعمل بالسلك الجامعى كمحاضر بالكلية لكنه رفض من أجل القرآن فكان أن أبدله الله منزلة أسمى في نفوس محبيه، وعمل مدرسًا في المعهد الدينى بمدينة سمنود بمحافظة الغربية، وتدرج في المناصب حتى وصل إلى درجة وكيل وزارة بالأوقاف، وانطلق الصياد في إحياء المناسبات المختلفة وذاع صيته في جميع محافظات الجمهورية.

تقدم "الصياد" للامتحان بالإذاعة والتليفزيون، وبعد الامتحان والعرض على لجنة الاستماع التي كانت تضم من الشيوخ كلًا من: عبد الفتاح القاضى، ومحمد مرسي، وعفيفى الساكت، ورزق خليل حبة، ومن لجنة الموسيقى الأستاذ محمود الشريف اجتاز الامتحان، وتم اعتماده كقارئ للقرآن الكريم بالبرنامج العام مباشرة دون المرور على إذاعات البرامج القصيرة.

في أول شهر من التحاقه بالإذاعة أسند إليه تلاوة قرآن الجمعة إذاعيًا، وفي الجمعة التالية قرأ القرآن تليفزيونيًا، ثم تم اختياره لقراءة قرآن الفجر على الهواء مباشرة مرة كل ثلاثة أسابيع في أكبر مساجد القاهرة، حتى أطلق محبوه عليه لقب "ملك الفجر"، وكان رحمه الله أول قارئ للقرآن من مسجد القنطرة شرق بأرض سيناء بعد تحريرها بحضور الرئيس الراحل أنور السادات.

زار الشيخ العديد من البلدان حاملًا معه كتاب الله تعالى، منها الكويت، والإمارات، والأردن، والولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وسوريا، والعراق، وإندونيسيا، وإيران، كما شارك في لجان تحكيم العديد من المسابقات الدولية في حفظ كتاب الله في السعودية، وإيران، وماليزيا، وحصل على العديد من الجوائز والأوسمة والشهادات التقديرية من معظم الدول التي دعى إليها لإحياء ليالى شهر رمضان المبارك وكان آخرها من سلطنة بروناى.

كان أشد المنافسين له في قراءة القرآن الكريم، يحبون سماع صوته، حتى أن الشيخ محمد محمود الطبلاوى، عندما أقام مسجدًا في المهندسين، أصر أن يقوم بافتتاح مسجده الشيخ الصياد ويقرأ فيه أول قراءة وأول إذاعة صلاة جمعة على الهواء مباشرة، وأثنى عليه العديد من القراء أمثال الشيخ مصطفى يونس، والشيخ "أبو العنين شعيشع"، والشيخ محمود على البنا وغيرهم.

ظل الصياد في عطائه المستمر في تلاوة القرآن الكريم في جميع أنحاء المعمورة إلى أن فاجأه المرض عام ١٩٩٤ فأصيب بالفشل الكلوى، لكنه استمر في التلاوة، حتى أقعده المرض، ولبى نداء ربه فجر يوم الأول من شوال 1419 هجرية، أول أيام عيد الفطر ٢٩- ١- ١٩٩٨.

رحم الله الشيخ الجليل الذي طالما أمتعنا وأمتع محبيه بتلاوة القرآن الكريم.

للاستماع إلى تلاوات الشيخ الدخول على رابط https://www.youtube.com/channel/UCZkZXAjCbB2I-CvUsIJvVww/videos
الجريدة الرسمية