رئيس التحرير
عصام كامل

تحت جنح الليل


سمعته في عزلته أول الليل كان يتمتم بكلام ما سمعته منه من قبل، كان يذكر الموت وكربه، واللحد وضيقه، والدنيا وزوالها، والآخرة وأهوالها، كانت المرة الأولى التي أراه فيها كذلك، أخبرته أنى أبهج حين يجود علي بالحديث معي، وكلما سعيت لأنتقل به إلى محطة أخرى أكثر فرحا، يأبى، ويزيد الحديث عن آماله التي طالما سعى لتحقيقها، ويستطرد عن محاولات للوصول إلى قمة المجهد، وتشييد أحلامه على الأرض.


كان حزينًا على ما آلت إليه الأمور في بلده، وكيف صار القتل عنوانا عريضا رسمته موج البحار، وتطاير السحاب والفلك، كان ينشد ما أدلى بها الحجاج بن يوسف الثقفى حين قال: "إذا ما لقيتُ الله عنّي راضيًا، فإن شفاء النفس فيما هنالكِ، فحسبي بقاء الله من كلِّ ميتٍ، وحسبي حياة الله من كل هالكِ، لقد ذاق الموت من كان قبلنا، ونحن نذوق الموت من بعد ذلكِ، فإن مِتُّ فاذكرني بذكر محبب، فقد كان جمًا في رضاك مسالكي، وإلا ففي دُبِرِ الصلاةِ بدعوةٍ، يلقى بها المسجون في نارِ مالكِ، عليك سلام الله حيًّا وميتًا، ومن بعد ما تحيا عتيقًا لمالكِ".

كان يؤكد أنه ما جاء إلا مسوقا مكبلا بالقيود، وما هذا من موقف ترتاح فيه النفس، قاطعته قائلا: لقد أثقلتك المطامع في عودة دولة الخلافة، ورفع شعارات الإسلام !، أتنفى كونك طامعا في الملك؟، قال: بلى لم تكن غايتى كذلك، إننى بشر يصيب ويخطئ، وما من ذنب وقعت فيه إلا وأستغفر الله وأتوب إليه، أما كان سيرك مع حركات المقاومة جرما تحاسب عليه!

أفجعنى حين قال وهو مكبل اليدين والقدمين وحراسى من حوله، وماذا عن الدماء التي تسفك صباحا ومساء، وما زاد غضبى قوله "ما ضاقت نفسى كما ضاقت بالوقوف بين يدك".. أطلق الحكم، ويل لقاضي الأرض من قاضي السماء، وإنى متشوق للوقوف بين يدى الله، وعند الله تجتمع الخصوم، صار يحدثنى وكأنى من قامت الدنيا لأجل إبعادى عن سدة الحكم، رغم أن الحاصل فعليا، أني بريء لم أقدم على شيء سوي أنى ساندت الناس موقفهم في تجنب البلاد فتنة الحرب الأهلية، ما أنا بطامع في الحكم، إنى أحذر ثم لا أعذر وأتوعد ثم لا أعفو.. قد بلغتك توجيهاتى ولم تكن بها واعيا...
الجريدة الرسمية