«صندوق النقد» يتوقع نمو الاقتصاد المصري بنسبة 4%
توقع مسئولون في صندوق النقد الدولي، نمو الاقتصاد المصري بنحو 4% خلال السنة المالية الحالية التي بدأت في يوليو الماضي 2014.
وجاء في بيان أعدته بعثة للصندوق لتقييم الاقتصاد المصري، في خريف العام الماضي، أن هناك فرصة للتعافي الاقتصادي لأول مرة منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك.
ويعود تفاؤل البعثة بفرصة كهذه إلى خطوات هامة اتخذتها الحكومة المصرية مؤخرا في مجال إصلاح النظام الضريبي ونظام الدعم الحكومي للطاقة وسلع أخرى، إضافة إلى عزمها القيام باستثمارات كبيرة في البنية التحتية والبدء بتنفيذ بمشروع توسيع قناة السويس الذي تقدر تكلفته بنحو 4 مليارات دولار.
تراجع الأداء الاقتصادي يزيد حدة الفقر
يأتي التفاؤل بالاقتصاد المصري بعد مرور أربع سنوات على ثورة 25 يناير 2011، التي أطاحت بالرئيس المصري الأسبق حسني مبارك وعلّق عليها المصريون آمالا عريضة في حياة حرة وكريمة، غير أن السنوات التي مرت حتى الآن من عمر هذه الثورة لم تحسن مستويات الدخل والمعيشة للغالبية منهم، على العكس من ذلك هناك معطيات كثيرة تشير إلى ارتفاع نسبة الفقراء من 25 بالمائة عام 2011 إلى نحو 40 بالمائة عام 2014، وهو الأمر الذي يعكس الارتفاع المخيف في معدلات البطالة، وخاصة في صفوف الشباب الذين يشكلون أكثر من 60 بالمائة من المجتمع المصري.
إن التراجع في مستوى المعيشة وتوسيع دائرة الفقر، لا يعكس فقط استمرار سوء توزيع الثروة بين أقلية غنية إلى حد التخمة وغالبية فقيرة تعيش على حافة الجوع، فهو يعكس كذلك تدني أداء الاقتصاد المصري في ظل الاضطرابات الأمنية السياسية المستمرة منذ إسقاط الرئيس الأسبق مبارك.
ويظهر هذا التدني على سبيل المثال من خلال تراجع الإيرادات السياحية إلى أكثر من 60 بالمائة، كما تراجعت الاستثمارات المحلية والأجنبية إلى أكثر من النصف، وشهدت البلاد نقصا في الكهرباء وموارد الطاقة بشكل أدى إلى عرقلة الإنتاج الصناعي.
وعلى ضوء ذلك تقلصت الاحتياطات من العملات الأجنبية اللازمة لتمويل الواردات الأساسية من مصادر الطاقة والسلع الأخرى إلى الحد الذي استلزم الاعتماد على الدعم الخليجي الذي وصل إلى أكثر من 20 مليار دولار قدمتها السعودية والإمارات والكويت بالدرجة الأولى.
المشاريع العملاقة لا تحل مشكل البطالة
منذ تولي عبد الفتاح السيسي الرئاسة، تسارعت الجهود الرامية لإعادة عجلة الاقتصاد ودفعها بخطوات سريعة إلى الأمام، وفي هذا الإطار يتم التركيز على إصلاح أنظمة الدعم الحكومي والضريبي بهدف تخفيف عجز ميزانية الدولة وكبح التضخم.
المشاريع العملاقة لا تحل مشكل البطالة
منذ تولي عبد الفتاح السيسي الرئاسة، تسارعت الجهود الرامية لإعادة عجلة الاقتصاد ودفعها بخطوات سريعة إلى الأمام، وفي هذا الإطار يتم التركيز على إصلاح أنظمة الدعم الحكومي والضريبي بهدف تخفيف عجز ميزانية الدولة وكبح التضخم.
كما يتم التركيز أيضا على الاستثمار في مشاريع كبيرة تشمل البنية التحتية والطاقة الكهربائية والبتروكيماويات، وعلى ضوء ذلك أطلق السيسي بعد توليه الحكم مباشرة، تنفيذ أول هذه المشاريع، أي مشروع توسيع قناة السويس بطول 72 كيلومترا، ويؤمل من المشاريع القادمة توفير الملايين من فرص العمل التي يحتاجها بلد يدخل إلى سوق عمله سنويا 600 إلى 700 ألف شخص جديد يبحثون عن وظيفة، وفي هذا الإطار تتحدث أوساط رسمية مصرية بشكل غير واقعي، عن مليون فرصة عمل جديدة سيتم توفيرها من خلال توسيع مشروع القناة!
من المعروف أن قدرة المشاريع الكبيرة، لاسيما في البنية التحتية على خلق فرص عمل طويلة الأجل تختلف من مشروع لآخر حسب طبيعته. وعلى العموم فإن هذه المشاريع وعلى العكس من مشاريع الصناعات التحويلية الصناعية أو الخدمية أو الزراعية تحتاج إلى استثمارات مكثفة لرأس المال أكثر من حاجتها للاستثمار في العمالة، ومن هنا فإن المشاريع المصرية الكبيرة المخطط لها ورغم أهميتها الحيوية لإتمام الدورة الاقتصادية وجعل مناخ الاستثمار أكثر جاذبية لن تكون قادرة على خلق فرص العمل المأمول بها، وكذلك الأمر بالنسبة للنمو الاقتصادي الحالي، فإنه لن يكون قادرا على تخفيف أزمة سوق العمل ما لم يصل مستواه إلى 5 بالمائة وما فوق.
مطلوب إعادة الاعتبار للزراعة والصناعة
تركز الاستثمار في مصر خلال العقود الثلاث الماضية على قطاعات شديدة الحساسية إزاء الاضطرابات الأمنية والسياسية كالسياحة والعقارات، وعلى ضوء ذلك لم يتم الاهتمام كثيرا بالاستثمار في الصناعات التقليدية والحديثة التي من شأنها تنويع مصادر الدخل وجعل الاقتصاد أكثر قدرة على مواجهة الأزمات، كما تضخمت المدن الرئيسية وخاصة القاهرة والإسكندرية بشكل عشوائي على حساب الأراضي الزراعية، وعلى ضوء ذلك تضطر البلاد إلى زيادة وارداتها من الأغذية والألبسة والأدوية سنة بعد سنة لسد احتياجاتها المتنامية.
وعلى ضوء ذلك، فإن مصر لا تحتاج فقط إلى المشاريع العملاقة، بل أيضا بشكل لا يقل أهمية لإعادة الاعتبار إلى المشاريع الصغيرة والمتوسطة في الزراعة والصناعات الاستهلاكية التقليدية، كما أنها بحاجة إلى تشجيع الصناعات التحويلية في إطار حاضنات تكنولوجية تساعد على التجديد والإبداع والحفاظ على الكفاءات المحلية.
يتطلب إعادة الاعتبار للزراعة والصناعات التقليدية وتشجيع صناعات جديدة، سياسات اقتصادية جديدة تؤدي إلى إعادة هيكلة الاقتصاد من خلال تنويع مصادر الدخل التقليدية منها والحديثة، ومن متطلبات ذلك وقف الزحف العقاري المدمر للأراضي الزراعية التي تعاني مصر من ندرتها، كما يتطلب تأهيل الأرياف ببنية تحتية وتعليمية وتقديم قروض وتسهيلات للمشروعات فيها، بهدف الحد من الهجرة إلى المدن، وهو الأمر الذي سيخفف من التبعات السلبية لاختناقات السير والازدحام اليومي.
وتكلف هذه التبعات الاقتصاد المصري عدة مليارات من الدولارات سنويا، وحسب تقديرات العديد من الخبراء، فإن ازدحام القاهرة لوحده يتسبب سنويا بأضرار تقارب دخل قناة السويس الذي يزيد على 4 مليارات دولار سنويا.
وختاما، لابد من القول إن التعافي الاقتصادي المستدام في مصر مرهون بتخطي المرحلة الانتقالية الحالية إلى نظام سياسي تعددي ديمقراطي يضمن المنافسة وتكافؤ الفرص للفرد والمؤسسة.