رئيس التحرير
عصام كامل

حداد شعبي أيضا لـ"صقر الجزيرة"


51 عاما في السياسة، وتسعة أعوام ملكًا، وتسعون عاما إنسانًا.
حين عينه الملك سعود بن عبد العزيز عام 1963 رئيسا للحرس الوطني السعودي، "أقوى سلطة عسكرية سعودية"، كان يقترب عمره من العام الأربعين، ومع ذلك خلت الصحف الأجنبية والعربية من صورة له توثق علاقته بالترف أو المجون، أو الغرور، الذي قد يقع فيه أمراء شباب، أو أبناء أمراء وملوك ورؤساء، أو رجال المال والأعمال والسياسة، سواءً من الأوربيين أو العرب.


في 25 يونيو عام 2007، وكان عمره 83 عاما، وكان قد أمضى عامين إلا ستة أيام من تاريخ توليه حكم البلاد ملكا، ظهر الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ يرحمه الله، في بدلة، لا تنتمي للزي الرسمي السعودي، في جولة أوربية أسس فيها لانفتاح جديد بين المملكة والغرب، مبني على الفكر والتحضر والحوار، فخطف ألباب جموع العرب، والسعوديين الذين أحبوه مواطنا معتدلا، وأميرا رصينا، ومسئولا معتدلا، وحاكما رحيما، بشوشا بحق، ودامعا بصدق حين يضعف أمام فقير أو مريض أو محتاج.

كان عبد الله بن عبد العزيز عشائريا بدويا أصيلا، فجمع أطراف البلاد على محبة جنبتها التعاطي مع رياح الربيع العربي، التي عصفت بعدة دول عربية، ومزقت أثوابها، وفككت أواصرها، وكان الملك إبان هبوب الرياح، في جولة خارجية، قطعها وعاد إلى بلاده، فضخ الطمأنينة في أواصر شعبه، ليبيت مستقرا على المحبة البيضاء.

تأسست المملكة العربية السعودية الحديثة على يد الملك الأب عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، وتجلى تنصيب الملك عبد الله بن عبد العزيز في الثاني من أغسطس عام 2005، ملكا على السعودية، في مشهد تاريخي سطر عهدا راسخا للترابط العائلي السعودي، وصفع كل مشكك في انتقال السلطة إلى أخ غير شقيق للملك فهد بن عبد العزيز، الذي وافته المنية مطلع أغسطس 2005.

وعلى الرغم من أن "أبا متعب" ـ كما اتفق السعوديون على تسميته، لم يتلق تعليما رسميا في مدرسة أو جامعة، فقد اهتم بالعلم في المملكة العربية السعودية، مضيفا إلى النهضة العلمية التي أسسها خلفه الملك فهد، منذ أن كان وزيرا للتعليم عام 1953 وحتى 1962، إذ بنى عبد الله "جامعة نورا" في الرياض، التي تعد من أكبر الصروح العلمية والثقافية والحضارية في العالم.

ولأن عبد الله بن عبد العزيز كان بدويا أصيلا، فقد أطلق عليه شعبه اسم "صقر الجزيرة"، لذا لم يكن ينقض عهدا، ولا يقطع ودا مع شعبه بكل طبقاته، فأسس مشروعا سيظل قائما حتى قيام الساعة، واعتبره وقفًا لوالديه، وهو مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لوالديه للإسكان التنموي.

كما دعم النهضة الصحية في بلاده، بمدينة الملك عبد الله بن عبد العزيز الطبية في مكة المكرمة، ولتطبيق سياسة تعدد مصادر الدخل السعودي، أقام الملك عبد الله مدينته الاقتصادية، ومدينته للطاقة الذرية والمتجددة، ودعم الزراعة السعودية في الداخل والخارج بصندوق زادت ميزانيته على 20 مليار ريـال سعودي، وأخيرا أرسى ثوابت الاستقرار العائلي بتأسيس هيئة البيعة التي تضمن الانتقال السلس للسلطة بين أبناء عبد العزيز.

يستحق الملك عبد الله بن عبد العزيز نعيا من الأمة العربية جمعاء، ومن الشعب المصري خاصة، حيث صفع أمريكا بدعمه مصر في ثورة 30 يونيو، واستمرت صفعاته البدوية الأصيلة للمعسكر الكاره لمصر، حتى اليوم الأخير من عمره، وذلك بتزويد حافلة الاقتصاد المصري بالطاقة والمال والدعم السياسي.

الحداد الذي أعلنته الدولة الرسمية في مصر، حدادا شعبيًا، أكثر من أن يكون سياسيا، حيث شارك الكثيرون من أبناء الشعب المصري فى صلاة الجنازة عبر شاشات الفضائيات، التي اتشحت جميعها بشارات الحداد، حزنا على "صقر الجزيرة والعرب".
barghoty@yahoo.com
الجريدة الرسمية