إحسان عبد القدوس يكتب: سكت الزعماء فتكلم الجيل الجديد
فى يوم الخميس 24 يناير 1946، كتب إحسان عبد القدوس، مقالا فى مجلة روز اليوسف، بعنوان «سكت الزعماء ..فتكلم الجيل الجديد» يقول فيها:
انتخبت مصر عضوا فى مجلس الأمن، وقد أصبح من حقنا أن نبدى رأينا فى مصير القنبلة الذرية، كما أصبح من حقنا أن نحدد النقط الاستراتيجية، وأن يشترك جيشنا مع جيوش العالم فى حفظ السلام والوئام الدائم، وأصبح من حق مصر أن تقول "أوافق "أو "لا أوافق"، وأن نضع ساقا على ساق وننفث دخان سيجارتنا فى وجود روسيا أو إنجلترا.
وانتخاب مصر دليلا قاطعا على أن النقراشى باشا، رئيس الوزراء، باع هتاف الشعب ومعارضته فى سبيل مصلحة الشعب، ونصرته وتحمل الهجوم بصبر أملا فى النصر، أما لو أن النقراشى، استجاب لرأى الشعب، وثار فى وجه إنجلترا، وقطع معها العلاقات، ما يدرينا هل كانت مصر ستنتخب؟.
لكن ماذا يمكن أن تستفيد مصر من اشتراكها فى مجلس الأمن ؟
إن القنبلة الذرية، لن تكون من نصيب مصر، ولن يستقيم من المنطق أن يتولى الجيش المصرى الدفاع عن إسبانيا تاركا للجيش الإنجليزى الدفاع عن القنال، لكننا نرضى بالقليل، وهو الدفاع عن قناة السويس، وأن يقوم مجلس الأمن، بدور المأذون فيتم على يديه طلاق مصر من إنجلترا طلاقا بائنا، ونحن نرضى بالطلاق المودرن، الذى يضمن الصداقة بعد الطلاق.
وقال سياسى كبير إن مصر يجب أن تهدد السلام العالمى، حتى ترغم مجلس الأمن على التدخل، وأقول هل فى مصر بادرة واحدة يخشى منها على السلام العالمى، وهل تكلم أحد وزرائنا ـــ شباب ثورة 1919ـــ ليقول لنا لماذا اشتركنا فى مجلس الأمن، وماهو مصيرنا ؟ ما هو واجبنا ؟
لم يتكلم أحد، وتركوا الحديث للجيل الجديد، الجيل الذى لم يشهد ماضى النحاس أو النقراشى أو مكرم عبيد وهم ثائرين، بل شهدهم وهم مسالمين؟
تحدث الجيل الجديد، فكان حديثه قنابل ورصاص وأصابت كلماته مقتلا، وقبض على القتلة، وسيظل الجيل حائرا ملحدا، بزعمائه، وسيقيم من نفسه أستاذا لهم يلقنهم دروسه القاتلة، طالما أنهم صامتون لايحاولون أن يأخذوا بيده ليخرجوه من الظلام إلى النور.