اذهب أنت وربك فقاتلا
أن يقوم شعب بثورتين في عامين ونصف العام تقريبا، شيء لا يحدث في أي مكان في العالم..لكن الشعب المصرى له طبيعته وخصوصيته..هو كما يقال: "نفسه قصير"..ليس لديه استعداد للسير في الطريق الطويل والوعر، حتى يبلغ أهدافه الكبرى..درجة إقباله على المخاطر وركوب الصعب ضعيفة أو محدودة، ربما لتاريخه الطويل مع المستعمرين والمستبدين والطغاة..هو يريد أن تتحقق أعظم وأفضل النتائج دون جهد، وفى أقل وقت..يكفى أنه قام بثورة..يهب واقفا بعد سبات طويل وعميق، ثم لا يلبث إلا قليلا كى يعود إلى سباته مرة أخرى..مع أنه من المفترض أن ينطلق، بل يحلق..
وهذا يمثل أحد المعوقات الأساسية، الأمر الذي يحتاج إلى تغيير عميق في وعيه وثقافته..على الرغم من أنه رأى الثورة تسرق، أو تخطف، أو تركب، أو تتم السيطرة عليها، أو ينحرف البعض بها إلى مسارات ومنحنيات ومنعطفات متعرجة بعيدا عن خطها العام، إلا أنه لم يلق بالا..لم يتحرك إلا بعد أن فاض الكيل..كان يتساءل بين الحين والآخر: أين القوات المسلحة، في محاولة منه لاستنفارها ؟ ذكاؤه الاجتماعي يمنعه من خوض معركة قد تكلفه الكثير..وكان هذا دأبه دائما..هو لا يدرك أن قوته تكمن في وحدته وإرادته، وأن القوات المسلحة لن تستجيب لنداءاته المتكررة، إلا إذا تحرك..هل هذا تواكل، فقدان همة، غياب رؤية، شح في القيادة الفاعلة؟!
سمها ما شئت..بعد أن استثاره شباب "تمرد"، بدأ يتحرك..كان هناك همس، ثم بوح..بعد ذلك تحول الأمر إلى صراخ وهتافات تشق عنان السماء، وحركة تملأ المكان عندما اطمأن أن القوات المسلحة تقف إلى جانبه..ثمة فارق كبير بين الإخوان ومناصريهم وبين الشعب المصرى، فالأخير يستغيث بجيشه الوطني لاستعادة الهوية المصرية وتماسك المجتمع وإنقاذ الدولة، أما الإخوان ومناصروهم فيستغيثون، ولا يزالون، بالإدارة الأمريكية لتعيدهم إلى السلطة، ولو على أشلاء الوطن..ولو أنهم واجهوا الحقيقة بشجاعة، واعترفوا بخطئهم وخطاياهم، وأن عليهم تحمل نتائج فشلهم، لكان للتاريخ مسار آخر....
عقب ثورة ٣٠ يونيو، ظهر "النفس القصير" مرة أخرى بأجلى وأوضح ما يكون..من قام بالثورة يريد أن يجنى الثمرة سريعا، فالكل يتطلع إليها..لقد قام بتنفيذ ما طلب منه، وكفى..وعلى الباقين أن يؤدوا دورهم..يريد الحصول على الثمن المناسب في الزمان والمكان المناسبين..لكن هناك مشكلة أخرى تواجهه، وهى أن فصيلا فاشلا ومخربا يريد أن "يوقف المراكب السايرة" لا يهمه مصر، وطنا وشعبا، وليذهب الاثنان إلى الجحيم..صدق عليه المثل القائل: "فيها لاخفيها"..ولأنه أطيح به، لأسباب كثيرة يعلمها الجميع، فقد قرر إخفاءها، وهذا مستحيل..لكنه لا يدرك ذلك، وهذا من تمام الغفلة وغياب الوعى..
أمام الرئيس السيسي مهمة ثقيلة..هو يحفر في الصخر، ويسبح ضد التيار..كيف وهو يواجه الإرهاب، يمكن أن يحدث عملية التغيير؛ أقصد تغيير الثقافة، والوعى، وبعث الأمل، واستثارة العزائم والهمم، وركوب الصعب؟! كيف يمكن تغيير تلك الحالة المزاجية العجيبة التي نعانيها، وهى أننا كشعب لا يعجبنا أي شيء، وفى الوقت ذاته لا نفعل أي شيء؟ معظم، إن لم تكن كل، الوزارات والهيئات ليست على المستوى، بل دونه بكثير..تلك هي المشكلة..الرجل لن يستطيع سد هذا القصور بمفرده....
هل نحن على استعداد أن نحارب المعركة، التي هي معركتنا، مع الرجل، أم نكتفي بعبارة "اذهب أنت وربك فقاتلا أنا هاهنا قاعدون"؟ إن ثقافة الكراهية بدأت تتسلل إلى عقولنا ووجداننا، بل تحكم تصرفاتنا وأخلاقنا وسلوكنا ونظرتنا لكل ما يجرى أمامنا وحولنا، وننسى أننا جزء غير منفصل عن المشهد..ويستحيل على من كان هذا حالهم أن يعملوا، أو ينتجوا، أو يبتكروا، أو يبدعوا، حتى ولو كان رئيسهم قادرا على فعل المعجزات!