رئيس التحرير
عصام كامل

ملاحظات ما بين الإخوان والمعارضة


دأب أعضاء جماعة الإخوان المسلمين ومن والهم فى الفترة الأخيرة على عدة مبررات وحجج، يواجهون بها معارضيهم من باقى التيارات، تبدو تلك الحجج منطقية إذا انتزعت من سياقها التاريخى وبمعزل عن أى تحليلات للموقف والأحداث الجارية، لذا فإن تفنيد تلك الحجج سيبظهر مدى الديماجوجية التى تعانيها تلك الجماعة ومؤيديهم.

أولى تلك المبررات التى تخرج فى وجه أى معارض لمحمد مرسى هو أنه الرئيس المنتخب ولا يجوز المطالبة بإسقاطه، وتتوالى الأحاديث عن شرعية الصناديق وهذا حديث مصاب بعوار شديد ذلك لأن الشرعية لا تُستمد من فترة حكم وولاية بالسنوات.
الشرعية هى أسلوب حكم وسياسات، فالصندوق والانتخابات لا تعطى شرعية مطلقة وملزمة بمدة الولاية المنصوص عليها لأنه ببساطة الناخب عندما يختار مرشحا ما فإنه ينتخبه وفق عقد اجتماعى وسياسى معين فإذا أخل المرشح بعد فوزه بهذا العقد أصبح فاقداً للشرعية، ومحمد مرسى جاء بعد ثورة شعبية استشهد من أجلها المئات لهدف واحد وهو إسقاط النظام بسياساته وبدء عقد جديد للحرية والعيش والعدالة الاجتماعية، وعندما لا نجد أى شىء تحقق بل ليست هناك فى الأفق إشارات تنبئ بشىء اللهم إلا محاولات دؤوبة لتمكين الجماعة فى شتى الوظائف فى الدولة، لذا فنحن أمام رئيس دولة انتخبه الشعب ونقض كل وعوده إضافة إلى حوادث القتل والسحل وهى بحد ذاتها كفيلة بإسقاط شرعيته وحدها، فما الذى تبقى من الشرعية المزعومة؟ وما الذى جناه المواطن المصرى البسيط الذى توسّم خيرا فى ثورة تقضى على نظام مستبد جثم على قلوب المصريين ثلاثة عقود فإذا به يجد أن الذى تغير من النظام هو شخص الرئيس وبعض الشكليات؟
ثانى المبررات التى يسوقها مؤيدو محمد مرسى مقارنته بحكام دول أخرى كأنهم يقولون هل يستطيع الأمريكان أن يطالبوا بإسقاط رئيسهم قبل مدة الأربع سنوات وهل يستطيع الإنجليز إسقاط رئيس الحكومة قبل انتهاء مدته الرسمية؟ متناسين تماما أن تلك الدول عريقة فى تجربة الديمقراطية وتداول السلطة يتم فى ظروف طبيعية وليست ثورات شعبية تزيل طغاة، فرئيس أمريكا مثلا يأتى بشكل طبيعى بعد انتهاء مدة طبيعية لرئيس آخر لم يخالف قوانين ويفصل دساتير وينتهك حريات ويتعدى على كل مؤسسات الدولة لصالح أسرته وحزبه لهذا فالمقارنات معيبة وهى فى نفس المقارنات ساذجة.
ثالث المبررات هى الحرية المزعومة حتى وصل الأمر بهم للمقارنة بين عهد مرسى وعهد مبارك، وكأننا قمنا بثورة حتى يأتى الحاكم بعد الثورة وأقصى أمانيه مقارنة نفسه بسلفه الديكتاتور وكأن أيضا الحرية المزعومة من إنتاج محمد مرسى وليست حقا أصيلا للشعب انتزعه بدمائه وتضحيات شهدائه ونتيجتها جاء محمد مرسى وسيأتى غيره وليست هبة ومنحة يهبها الحاكم للشعب بل حق أصيل وسيظل هكذا.
تبقى هناك ملاحظات على الطرف الآخر المعارض لحكم الإخوان، أولى هذه الملاحظات التشبيه الدائم لمناصرى الإخوان بأعضاء الحزب الوطنى فى عهد مبارك لكنهم تناسوا أو لم يتطرق أحد إلى خلاف كبير فى مضمون وبنية الحزبين، وهو أن الحزب الوطنى لم يكن حزبا بالمعنى السياسى السليم ولكنه كان شكلا فقط وكيانا فقط يسمى حزبا وهذا الكيان خارج من رحم سلطة وغير مبنى على أساس أيديولوجى وفكرى كما باقى الأحزاب ومن ينضم إليه ينضم ليستظل بظل السلطة ظنا منه أنه لا ظل إلا ظلها وليس على أسس فكرية أو سياسية، لذلك فهو استمد قوته من القبضة الأمنية التابعة للسلطة وليس من أعضائه وكوادره فكان أشبه بطبقة أوليجاركية صعدت للحكم استنادا لقبضة أمنية وليس عن طريق أغلبية حقيقية، ولذلك فوجود الحزب كان مرتبطا بالسلطة وعندما انهارت السلطة تلاشى الحزب حتى قبل قرار حله رسميا وهنا الفرق والخطورة، فحزب الحرية والعدالة حزب سياسى خرج من رحم جماعة عتيقة سياسياً وخارج السلطة والانتماء إليه انتماء فكرى عقائدى مبنى على السمع والطاعة، لذلك فنحن أمام حزب حقيقى بغض النظر عن الاتفاق والاختلاف معه ولو خرجت السلطة منه سيظل أعضاؤه متمسكون يدافعون عن الأفكار والتعليمات التى تأتيهم.
والملاحظة الثانية وهى الكارثية تتمثل فى دعاوى البعض لعودة حكم المجلس العسكرى مرة أخرى متناسيين بوعى أو دون وعى مدى الدور الذى لعبه هذا المجلس مع مبارك ومع الإخوان أيضا، ومتناسيين أيضا أن الخطأ الأكبر للثورة المصرية هى تسليمها زمام الأمور للمجلس العسكرى وما تلاه من سيناريوهات معروفة للجميع، فلماذا يعود البعض ليكرر نفس أخطاء الماضى القريب جدا والكارثة أن بعضهم لا يراها أخطاءً من الأساس.
الخلاصة أن الثورة لن تنجح ويجنى الشعب ثمارها إلا بوعى حقيقى لماهية الثورة ولماذا اندلعت وبتحقيق حقيقى لكل شعاراتها وأهدافها بشكل فعلى وليس سطحى ونظرى.
الجريدة الرسمية