رئيس التحرير
عصام كامل

"حمامة فاتنة" فضحت الزيف والتقصير



أبت "سيدة الشاشة العربية" فاتن حمامة إلا أن تكون الأولى طوال حياتها وحتى في مماتها، فهي أول فنانة تودع الحياة في العام 2015، مثلما كانت الأولى منذ حداثة عمرها في مسابقة صور الصغار، وأول طفلة تمثل أمام الموسيقار محمد عبد الوهاب في "يوم سعيد"، وصاحبة أعلى أجر بين الفنانات طوال تاريخها، وهي "أيقونة" السينما التي غيرت الصورة الذهنية عن المرأة، وحصدت التكريم والتقدير من معظم الدول.


فاتن حمامة حباها الله بموهبة فذة و"كاريزما" غير مسبوقة خطفت بها الأضواء ومحبة واحترام الجمهور، عاشت حياة هادئة، ولم تكن يوما طرفا في مشكلة، بل كان هاجسها دائما قضايا المجتمع والتعبير عن همومه والسعي لإيجاد حلول لها، مثلما نجحت في دفع الحكومة لتغيير قانون الأحوال الشخصية لصالح المرأة بعد فيلم "أريد حلا".

لم تمر وفاة "سيدة الشاشة العربية" مرور الكرام، إذ كشفت التقصير الرسمي وفضحت زيف الكثيرين وفشل من يدعون أنهم في المقدمة، فإذا بهم في ذيل القائمة.. البداية عندما ورد نبأ عاجل عن وفاة السيدة فاتن حمامة، لتنقل وسائل الإعلام العربية ووكالات الأنباء العالمية الخبر الحزين، فإذا بمقدمي برامج مصرية شهيرة يكذبون الخبر، مشيرين إلى أن "سيدة الشاشة العربية" بخير وما يتردد مجرد شائعة، بينما أكدت برامج أخرى الوفاة، وعلى الجانب الآخر التزم الإعلام الحكومي ووكالة الأنباء الرسمية الصمت فيما يفترض أن تكون مصدر الخبر لا ناقلة له!!.. وزادت الفضيحة مع مداخلة لنقيب الممثلين الذي نفى معرفته حقيقة الأمر، فيما وكيل النقابة يؤكد وينفي في الوقت نفسه. ومع الارتباك وتضارب الأنباء بدأ الاستهزاء والسخرية من أداء الإعلام المصري حكومي وخاص بشأن نبأ يتعلق برمز السينما المصرية "الحمامة الفاتنة".

لم ينته الارتباك الإعلامي مع تأكيد نبأ الوفاة، حيث تضاربت معلومات الجنازة والعزاء، في ظل مواكبة صحفية ضعيفة في المعلومات وفقيرة في الصور، رغم أن أرشيف "سيدة الشاشة العربية" زاخر بآلاف الصور ومئات الأعمال وتصريحات وأحاديث وآراء قيمة جديرة بإعادة النشر كنوع من الوفاء والتقدير لتاريخ ناصع ومسيرة فنية لن تتكرر.. فلم تبث وكالات الأنباء العالمية سوى سبع صور لمراحل حياة "وجه القمر" ومثلها للجنازة الشعبية!!. فأين وكالة الأنباء الرسمية ولماذا لم تزود بقية الوكالات ووسائل الإعلام ببعض من أرشيف صور ومعلومات سيدة الشاشة.. أو حتى تهتم بما تبثه هي للعالم من معلومات وصياغتها بشكل مهني محترف دون أخطاء فاضحة واستسهال يميز الوكالة؟!.

مواكبة التلفزة الحكومية لم تختلف في السوء والضحالة عن وكالة الأنباء الرسمية، فالمتابعة مخجلة ولا تفي بجزء يسير من تاريخ وأهمية فقيدة السينما العربية فاتن حمامة، وكأن الإعلام الرسمي على تنوعه انتظر تعليمات لكيفية متابعة الوفاة. توقعنا أن جميع البرامج والسهرات سوف تتحدث عن السيدة فاتن حمامة مع زملائها وأسرتها وإعادة عرض بعض مقابلاتها وأفلامها وحلقات من مسلسلاتها وتحليل أعمالها والتغيير الذي أحدثته في المجتمع، ورصد مشاعر الجمهور العاشق للفنانة القديرة. لكن شيئا من هذا لم يحدث وكل ما في الأمر لقطات سينمائية ومداخلات عابرة لذر الرماد في العيون!!

وفيما يتعلق بموقف الحكومة، توقعت وغالبية الشعب تشييع السيدة فاتن حمامة في جنازة رسمية تكريما ووفاء لتاريخها وعرفانا بما قدمته للسينما والفن، لكن الحكومة اكتفت بنعي صادر عن الرئاسة وبيان مماثل من وزير الثقافة الذي أوقف النشاط الفني ليومين حدادا.. وللحقيقة كان أهل الفن أكثر وفاء من الحكومة ومعهم الجمهور الغفير الذي حضر الجنازة بمحبة صادقة وحزن عميق. كما اهتم الإعلام العالمي بالوفاة وقدم تحليلا عميقا لتأثير فاتن حمامة في الفن السابع يستوي في ذلك مواقع الصحف الأمريكية والبريطانية والفرنسية والهندية وحتى التركية فضلا عن جميع الصحف العربية.

الآن وقد قضي الأمر، يبقى على الحكومة تدارك التقصير بتكريم مستحق يرد للفنانة القديرة جزءا مما قدمته لمصر والسينما العربية.
الجريدة الرسمية