رئيس التحرير
عصام كامل

قلوبنا مع محمد صبحي.. ودعواتنا أيضا!


كان عام 74 عام التحول المهم في مسيرة النجم الكبير محمد صبحي..صحيح رآه الناس من قبل في أعمال مسرحية عديدة ربما كانت أبرزها دور الطبيب في مسرحية "هاللو شلبي" لكن فرق كبير بين أن يراه الناس وبين أن يشاهده ويتابعه الناس ويتذكرونه ويحفظون اسمه..إنها اللحظة الانتقالية التي ينتظرها كل من يعمل بالفن والتمثيل..

كان عام 74 حاسما بعملين أساسيين كبيرين لاثنين من كبار الروائيين المصريين هما نجيب محفوظ ومجيد طوبيا بفيلمي "الكرنك" و"أبناء الصمت" ولمخرجين كبيرين أيضا هما على بدرخان ومحمد راضي..لكن ورغم "التراجيديا" الشديده في كلا الدورين إلا أننا لا نعرف لحظة الحظ تلك التي حولته إلى "كوميديان" مختلف ومتميز ولا مثيل له في الأداء..مختلف في الدرجة وفي النوع.. 

كان ذلك بعملين متتاليين أحدهما بمسرحية فائقة النجاح ولا نعرف سر إهمالها تليفزيونيا هي "انتهى الدرس يا غبي" ومسلسل كوميدي تابعه المصريون بشكل لا مثيل له هو "فرصة العمر" وكلاهما من تأليف توءمه الفني المبدع الكبير لينين الرملي وكلاهما نقلاه إلى مصاف النجوم الكبار وبعدهما توالت الأعمال التي نعرفها جميعا وربما ساعد تزامنها مع دخول الألوان إلى التليفزيون إلى حفظها وانتشارها أكثر من سابقيها..

والخلاصة: محمد صبحي فنان مختلف..لم تغيره النجومية ولا الشهرة ولا الأموال لينفصل عن مجتمعه..حتى إنك وبخلاف عدد من أفلام السينما الهزلية مثل "انكل زيزو حبيبي" و"على بيه مظهر" والذي حاول فيها استغلال دوره الشهير في "فرصة العمر" لغزو السينما بطلا.. بخلاف ذلك فمن النادر أن تجد له عملا غير هادف..هو يضحك المصريين ولا يضحك عليهم..وأحيانا يضحكهم ويبكيهم ودائما على أحوالهم..ليس ليسخر منهم وإنما ليوقظهم مستنهضا كل ما فيهم من همه ومن روح لشعب صنع أهم حضارة في التاريخ..لم يقدم صبحي عملا إلا وقيم الخير والعدل والحق والجمال فيها ومعها ومن حولها قيمة العمل باعتباره المعيار الوحيد للاعتبار في المجتمع وليس الثروة ولا النفوذ ولا النسب !

محمد صبحي ينضج أكثر وأكثر وتشده الأزمات الوطنية فيندفع إليها بروح قومية عروبية واعية وليس كغيره من فنانين رددوا خلف أنظمتهم أغانى شعبوية قطرية تضاعف من أزمات الأمة العربية ولا تحلها..ورغم انتمائه الوطني البارز والذي يعلنه ولا يخفيه وحدويا منحازا لأمته إلا أنه يدرك الفرق بين العملين الوطني والسياسي فلم ينجر للثاني عضوا في حزب أو جماعة..ومع مزيد من النضج يمتد العطاء ويدفعه العطاء ويرشده إلى عمل خيري كبير لا يغازل فيه حاكما أو طبقة محيطة بحاكم ولا أسرة في السلطة.. إنما يقرر أن يخدم الناس مباشرة..لا يضحكهم اليوم ولا يبكيهم إنما يوفر لهم مباشرة حلولا لمشكلاتهم..وتأتيه التبرعات من كل مكان وعلي قدر مشروعه..وربما فشلت جهات رسمية في حشد المتبرعين كما حدث معه..وذلك ليس إلا ثقة فيه ويقينا بقدرته على الإدارة الرشيدة فضلا عن اعتباره ضميرا حيا يقدر- بدعم الناس له - على التصدي لأي طامع أو عابث بمشروعه وحلمه.. حلم الفقراء والبسطاء ومشروعهم !

هذا النجم الكبير..الذي يجمع التبرعات ليمسح دموع الغلابة..والذي لم يذكر مرة واحدة في شائعة خبيثة..والذي يتق - فيما رأينا ونعرف- مواطن الشبهات.. والذي لم يعرف الإسفاف ولا الابتذال حتى في أشد الأعمال هزلا والذي لم يخش على نجوميته من تكرار الظهور التليفزيوني بل وهزم هذه القاعدة.. هذا النجم يكتم آلامه الآن..يريد أن يصرخ ولا يستطيع.. يواجه بالإيمان والرجولة وحب الناس أزمته الكبري..

فالسيدة العظيمة التي تركت أشياء كثيرة لتشاركه كل ما قدم..وترضي سعيدة بدور الزوجة العظيمة التي تقف خلف عظيم.. تقف إلى جواره وخلفه ويستند إليها ليبدع ما أبدع ولينجز ما أنجز دون أن يراها أحد وبغير أن يعرفها الكثيرون..هي الآن تعاني آلام المرض..تقاومها وتتحداها وستهزمها وستنتصر عليها بإذن الشافي العافي..لكن..ورغم ذلك إلا أنها وزوجها يستحقان الدعاء..فربما بدعاء الصالحين يستعجل الله لها الشفاء..ادعوا لهما بيقين الإجابة ودعوا الاستجابة لرب العالمين..وهذا أضعف الإيمان لإنسان وفنان قدم لنا ما قدم!
الجريدة الرسمية