رئيس التحرير
عصام كامل

الإرهاب في دائرة القلم والسلاح



نحن الآن نشاهد إرهابا دمويا وعنفا سياسيا ينحصر في دائرة القلم والسلاح؛ القلم الذي يسىء إلى الأديان والأنبياء والسلاح الذي يقتل الإنسان بدلًا من تطبيق القانون وسيادته.


الإرهاب الفكرى والإرهاب الدموى كلاهما وجهان لعملة واحدة من خلال موجة تجتاح العالم باسم الدين تارة وباسم حرية الرأى وحقوق الإنسان تارة أخرى.

بدأ هذا الإرهاب منذ سنوات وسنوات وتعاظم دوره في المنطقة العربية قبل ثورة 25 يناير بشهور قليلة حينما فُجرت كنيسة القديسين وراح نتاج هذا العمل الإرهابى أبرياء لا ذنب لهم وبات العالم كله يشاهد هذا المشهد صامتا متفرجًا وكأنه مشهد رومانسى للتسلية، بل تعاظم هذا الدور للمنهج الإرهابى الذي تتنهجه جماعات لا علاقة لها بالإنسانية بعد 30 يونيو حينما قُتل جنودنا من الجيش المصرى العظيم ومن رجال الشرطة في أكثر من حادثة قَطر القلب منها دمًا، بل وشبابنا الذين دافعوا عن أرض الوطن ضد جماعة تريد ليس العصف بالهوية المصرية فقط بل بالهوية الإنسانية وبات العالم أمام هذا المشهد متفرجًا أيضًا، بل تعاظم الأمر في حرق 80 كنيسة بعد فض البؤرة الإرهابية في رابعة، كانت حادثة مروعة بكل المقاييس وكان هناك صمت دولى وخرست منظمات حقوق الإنسان على ما فعله الإرهاب.

حرقت دور العبادة متمثلة في الكنائس في مشهد يُندى له الجبين وتعتصر له القلوب في خطة جهنمية ليلجأ الأقباط لطلب الحماية الخارجية؛ وكانت الصدمة للإرهابية، رفض أقباط مصر بكل قوة التآمر على وطنهم، وعارضوا أي شكل من أشكال التدخل، وآثروا حرق كنائسهم على حرق وطنهم. هزم الشعب المصرى بجيشه وشرطته هذا الإرهاب ومازال يهزم فيه من خلال قيادة حكيمة منتخبة بإرادة حرة ردت لمصر كرامتها وعزتها أمام العالم متمثلة في الرئيس السيسي. 

وتابع الغرب أيضا قصة الإرهاب في المنطقة عندما ظهر في صورة داعش في سوريا والعراق وليبيا ووقف يشاهد تهجير العراقيين وهتك عرضهم دون تحرك، وها هنا الإرهاب ينتقل إلى الغرب إرهاب فكرى يسىء إلى الأديان والأنبياء بصورة متكررة، يقابله إرهاب القتل والذبح لمن فعل ذلك في حادثة شارلى إيبدو ضاربين بعرض الحائط القانون وسيادته، ويتجسد الإرهاب في دائرة القلم الذي رسم الرسوم المسيئة للدين والقتل والعنف الدموى بدلا من تطبيق القانون.

وفى هذه اللحظة هب رؤساء بعض الدول لرفض هذا الإرهاب ولكن جاء هذا الرفض متأخرًا لأن هذا الرفض لم يبدأ عندما بدأ الإرهاب في المنطقة العربية وتركوا المشهد رغبة في مكاسب سياسية فانسحب الأمر على هذه الدول ولعل ما حدث في فرنسا أبلغ رد على السكوت تجاه ما حدث في مصر وفى بعض الدول العريية رد مضمونه "يجب القضاء على الإرهاب من جذوره " ويجب أن يكون هناك رغبة حقيقية في التعايش والحوار والسلم والقضاء على الإرهاب الذي هدفه كسب مصالح سياسية، ومن ثم يجب أن يُرفض العنف بكل صوره ويدان قتل الأبرياء ورفض كافة أنواع الظلم والإرهاب مهما كانت دوافعه وأشكاله ومبرّراته.

فمكافحة الإرهاب بإرهاب أكبر منه، أو بحلول أمنية صرفة دون اللجوء إلى أسباب هذا الإرهاب ودوافعه والبحث عن حلول متعددة الأبعاد لن تؤدي إلى نتائج إيجابية كذلك غياب ثقافة "الحوار" تعد عاملا مهما في تنمية "ثقافة العنف". لذا يجب نشر هذه الثقافة من جديد، والعمل على نشر ثقافة الحوار وتطبيق القانون بصورة فاعلة. 

وبالعودة إلى المشهد فإن الرد الأنسب على هجمات باريس وعلى الإرهاب بشكل عام، تلك الرسائل التي حرص القادة الفرنسيون على بعثها بخصوص أهمية التفريق بين الإرهاب وبين الإسلام والمسلمين كانت رسائل إيجابية جدًا. ويجب الإشارة إلى أن ما قام به هؤلاء الإرهابيون من هجمات في باريس، المسلمون ليسوا مسئولين عنه؛ فالمسلمون لم يفوّضوا هذه الجماعة المتطرفة للقيام بمثل هذه الأعمال. بل معظم المسلمين يختلفون مع هؤلاء الأشخاص والجماعات التي تتبنى العنف باسم الجهاد. فهذه الجماعات المتشددة لا تمثل إرادة الشعوب. كما ينبغي ألا تؤدي هذه الحادثة إلى تشدد أكثر في الغرب تجاه الإسلام والمسلمين، ويجب مواجهة ظاهرة الإسلاموفوبيا المتنامية في الفترة الأخيرة في الغرب بشكل العام. فالإرهاب لا دين له ولا وطن ويبحث دائما عن تفتتيت الأوطان.

كذلك الغرب مُطالب بمراجعة نفسه ومواقفه من قضايا المسلمين، وهي مواقف تتميز بالإزدواجية مثل قضية الحريات مثلًا، كيف يُسمح بإهانة المقدسات الإسلامية بزعم حرية الرأي، وحقوق الإنسان فكل دين مهم لمن يعتقد فيه وأن الأنبياء والرسل والأديان السماوية والثوابت الأخلاقية المنبثقة عن الأديان خط أحمر لا يجب الاقتراب منه بزعم حرية الرأى والديمقراطية، فالإنسان خُلق متدين بالفطرة وبالطبيعة ولا يجب أن يُخدش شىء في تكوين الإنسانية ولا يجب السماح برسوم أو بعبارات مسيئة للأديان. 

ويخطىء من يظن أن الإرهاب يعد متعلقًا ببلد دون آخر أو مقتصرًا على زمان دون آخر بل إن الإرهاب بصوره المتعددة وما أكثرها كما ذكرت سابقًا لا يجب معالجته معالجة سطحية جزئية كالشجب والإدانة، بل يجب التجمع لرفض ذلك؛ لأن أنياب الإرهاب أنيابًا متوحشة لا ضمير لها ولا وزاع من دين أو أخلاق؛ ومن هنا إن لم تكن دول العالم جادة في القضاء على الإرهاب بالبحث في جذوره والضرب بكل قوة على الإرهاب والإرهابين فلا يكون هناك معالجة حقيقية، فلن تقضى المعالجة الأمنية وحدها على الإرهاب ولن تنجح المؤتمرات في التوصل إلى حل المشكلة إلا إذا صدقت النوايا وصح العزم من جانب كل دولة من الدول وإذا لم تضع المؤتمرات هذا المبدأ في اعتبارها فإنها ستكون عديمة الجدوى وستكون كحوار الطرشان وستبدو أن كل واحد يتكلم بلغة غير اللغة التي يتكلم بها الآخر ومن ثم لا حوار ولا حل للمشكلة. 

إذن الحل كما أراه في اعتقادى أن نبحث عن جذور الإرهاب ولا نقتصر على نوع من الإرهاب دون النوع الآخر لأننا نجد صلة بين كل صورة من صور الإرهاب والصورة الأخرى، نجده حين يعلن عدد من الإرهابيين والمتطرفين الحرب الإرهابية على النظم القائمة في هذه الدولة أو تلك، ونجده أيضًا في الفكر المتطرف بأشكاله، بل نجده عند أتباع مذهب حين يعلنون الحرب على أتباع مذهب آخر حتى داخل الدين الواحد مثل (الشيعة والسنة في العراق) على سبيل المثال لا الحصر، لقد اختلطت الأمور في بعض الدول الأوربية والأمريكية والعربية أيضًا وبالتالى كان الإرهاب متوقعا.

اختلط الدينى بالسياسي، واختلط الدين بالاقتصاد، بل اختلط المجال الدينى بالمجال العلمى، اختلط المقدس بالمدنس، وقُدست بعض الكتب الدينية البعيدة عن الدين الصحيح بالجذور الإرهابية، وللأسف نجد ذلك في بعض الكتب التعليمية وبعض الجرائد والمجلات ووسائل الميديا التي تحارب التنوير وتحارب أيضًا الثوابت الدينية وكرامة الأنبياء إلى آخر ذلك من الأمثلة فلابد من تكاتف كل القوى حتى يصبح الإرهاب مجرد تاريخ سىء، ولا بد من محاصرة الإرهاب بالفكر وبالتنوير وبنشر ثقافة التسامح والحوار وقبول الآخر مهما اختلف، وسيادة القانون ليقتل هذا الخطر الأسود بأنيابه المتعددة والمختلفة ولابد أن ندرك أن الإرهاب ظاهرة عالمية وليست محلية ومن ثم اقترح تأسيس مجلس دولى لمحاربة الإرهاب يتكون من مجموعة من رؤساء الدول، ويقوم هذا المجلس على معايير دولية تحترم الثوابت والمعايير الأخلاقية والدينية والإنسانية أيضا، ويخلو من المصالح الاقتصادية والسياسية لبحث وضع خطة طويلة المدى، على أن يعمل هذا المجلس بصورة دائمة ويتناول القضية بمعالجة تفصيلية فلا توجد مشكلة دون حل والمهم أن تكون النوايا صادقة لقتل هذا الوباء الأسود.
الجريدة الرسمية