رئيس التحرير
عصام كامل

الجهل والفهلوة


في نظري الاهتمام بالتعليم وإعادة المنظومة التعليمية إلى هيبتها الأولى، أهم من توفير الغذاء فالحيوانات تأكل وتخرج فضلاتها، ولكنها تذبح في النهاية ليأكلها ويتغذى على لحمها من قام بعلفها، وهي تأكل ولا تدرك أن مصيرها في النهاية الذبح، ولو علمت لآصابها الاكتئاب وثارت وقتلت من يطعمها.


إن انهيار المنظومة التعليمية بداية من المرحلة الأساسية مرورا بالجامعة إلى مرحلة ما بعد الجامعة، وانهيار البحث العلمي في مصر وما توارثناه قديما من احترام الشعب لحاملي الشهادات والعلم الذين كانوا منارة يستضيء بنورها الناس لما يحمله هؤلاء من علم حقيقي يحققون به مكانة فعلية في قلوب الشعب والعمل في وظائف مرموقة.

فبدلا من تطور التعليم حدث انهيار كامل، وبدلًا مما كان يحظى به المتعلم من احترام أصبح كالحمار يحمل ورقة لا قيمة لها لا في الوظائف ولا في عيون الناس، وذلك لأن هذه الشهادات التي كانت تُأخذ بالجهد والتعب والقراءة والسهر وحب وعشق امتلاك المكتبات المليئة بالكتب، أصبح هناك سوبر ماركت يبيع تلك الشهادات، فلماذا إذًا التعب والسهر فما هي إلا مسميات لا يهم من منحك تلك الشهادة ومن أين أتيت بها.

فإذا أردت شهادة ثانوية لتلتحق بجامعة معترف بها فيمكن شراؤها من مدارس خاصة معلومة، وإذا أردت أيضًا بعد هذه الشهادة أو بدونها الحصول على الدكتوراه فهناك أيضًا سوبر ماركت متخصص في طبع الشهادات وبيعها، ويُعلمك صاحب هذا السوبر ماركت بأن تلك الورقة (الشهادة) غير خاضعة للمجلس الأعلى للجامعات ولكنهم سيقومون بتصويرك وأنت مرتدي الروب الجامعي، وإذا أردت يمكن عمل مناقشة لأي موضوع "هايف" تود أن تناقشه، وفي النهاية يكون الحفل الختامي وارتداؤك الروب، ووقتها ستشعر بأنك أصبحت دكتورا وتصدق نفسك، وكما استطعت أن تخدع نفسك يمكنك أيضا أن تخدع الناس بأن تظهر عليهم بفلوسك ونفوذك طبعا في القنوات الفضائية بصفتك الدكتور فلاني، وتبث عليهم من جهلك ما يُذكم أنوف العلماء ويصيبهم بالقيء، ولكن العلماء الحقيقيين لا يراهم الناس فهم مشغلون بأبحاثهم وقراءاتهم، وإنما في الآخر كلام هؤلاء سيروق لكثير من العامة الذين سُطحت عقولهم خلال عقود فتغيرت أذواقهم إلى الهبوط والضحالة.

وكان نتيجة هذا أن ضاعت القدوة الحسنة والمثل الأعلى ليس في العلم فقط بل في كل نواحي الحياة في الفن والعلم فكما أصاب الفن من هبوط في الذوق العام أصيب العلم والعلماء بنفس الداء، وكما جلس الفنانون الحقيقيون في منازلهم احترامًا لأنفسهم وفنهم وتصدر المشهد كل الروائح الكريهة، كذلك ظهر علينا جهلاء لم يقرءوا أو حتى استمعوا لحديث علماء مرتدين ثوب العلم، ومصدقين أنفسهم ومصممين على نشر جهلهم وخلق جيل جديد من المغيبين يكون مثلهم الأعلى هؤلاء الجهلاء؛ لما حقوقه من مال وشهرة بجهلهم وفهلوتهم.

فهل يصح أن تقوم أمة صفوتها من الجهلاء؟ وهل يمكن أن تنافس مصر عالميا بالفهلوة؟

فنداء آخر وسأظل أنادي وأنادي يا وزير التعليم ويا وزير التعليم العالي أيضا ويا وزير البحث العلمي ويا وزير العدل ويا كل وزراء الحكومة الإرهاب ليس فقط فيما يطلقون النار ويفجروننا ولكنهم أيضا يفجرون عقولنا وشبابنا والقدوة حتى نصل إلى يوم لا تجد مصر من يبنيها بل سيكون هناك من تعلم الهدم فقط.

راقبوا المدارس والجامعات الخاصة قبل الحكومية، اسجنوا كل أصحاب المنشآت التي تمنح شهادات دكتوراه وماجستير وكل أنواع الشهادات بأي مسمى لأننا أصبحنا نعيش فوضى الألقاب.

فهل من يسمع وهل من مجيب، فمصر تنهار أخلاقيا بانهيارها علميًا وثقافيًا، انقذوا مصر قبل فوات الأوان.

فلك الله يا مصر حماك الله ورعاك.
الجريدة الرسمية