رئيس التحرير
عصام كامل

بالفيديو والصور.. مأساة 100 داخل مخيمات الخانكة.. جمع «الكرتون» مصدر رزقهم.. «محمد»: «شغال علشان الأنبوبة».. «أم علاء»: «أحياء بصفة أموات»..«أحمد


تتعرض منطقة البولاقي بمركز الخانكة في القليوبية إلى حالة من الإهمال، الأمر الذي تسبب في ضياع مستقبل العديد من الأطفال الذين تركوا مدارسهم وانخرطوا مع آبائهم في العمل لمحاولة التغلب على ظروفهم الصعبة.

المواطنون هناك يعيشون في مجموعة من الخيام بسبب سوء حالتهم، ويعملون على جمع المخلفات من القمامة وبيعها لمصانع التدوير كوسيلة لكسب العيش.
المشكلة لم تكن الأولى من نوعها فمحافظة القليوبية تشتعل بكم هائل من الشكاوى خاصة بمركز الخانكة وأهمها مياه الشرب الفاسدة الأمر الذي دفعهم لشراء المياه والذي يصعب على أصحاب الدخل المحدود ويتسبب شربهم للمياه الفاسدة في العديد من الأمراض.
كما أن تصاعد الغاز الكيماوي من مصنع أسمدة "أبو زعبل" أدى إلى إصابتهم بأمراض صدرية ورؤية متعددة في ظل إهمال مسئولي الحي والمحافظة.

القمامة
أكوام تتصاعد منها الأدخنة، وبها عدد كبير من المواطنين كل منهم يبحث عما يريده، هذا يجمع «الكرتون»، وذاك عن العبوات الزجاجية وغيرها.
ومن وسط الدخان المتصاعد يخرج طفل يدعى محمد سمير لا يتعدي سنه الـ 14 عامًا حاملًا على ظهره ما جمعه من القمامة وتركت ألسنة اللهب المتصاعده آثارها في وجهه بالإضافة إلى ملابسه التي لا تقيه شر البرد القارس.

يقول محمد سمير، إنه يعمل مع جيرانه في جمع الكرتون من القمامة كمصدر رزق لهم، ويعود بعدها ليجمع الأخشاب لاستخدامها في إعداد الطعام والتدفئة في فترات الليل، لأنه لا يقدر على شراء أنبوبة الغاز في الوقت الحالي بسبب ارتفاع سعرها، ووالده مصاب بارتفاع في ضغط السكر، ولا يقدر على العمل ما دفعه للتخلي عن دراسته من أجل توفير النفقات اللازمة لأسرته.

"أربع حيطان"
وقال: "إحنا 6 أفراد، وأبويا راجل مريض بالسكر، ومش بيقدر يشتغل، وعايشين في خيمة في نادي الخانكة، والحي طردنا من شقق المحافظة، ورمانا في عربيات الزبالة لحد ما جينا في النادي هنا، الخيم بتقع علينا في الليل من شدة الهواء، وبيبقى يوم أسود لما بتمطر على الخيم، مش بنعرف نروح فين، وفي 3 خيم ولعوا من المطر علشان المطر وقع على سلوك الكهرباء اللي في الخيم، وولعت فينا وإحنا نايمين، ونفسي في "أربع حيطان" يلموني أنا وإخواتي من البرد، عايزينهم يبصوا لنا بعين الرحمة".

مركز شباب الخانكة تحول إلى مخيم للاجئين بسبب عدم وجود البديل لـ101 أسرة تعيش منذ ما يقرب من عام تقريبًا داخل قطعة «خيش» في ظل برودة الشتاء الحالية وتساقط الأمطار على الخيم ما أدى إلى إشتعال عدد كبير منها بسبب أسلاك الكهرباء الموجودة داخلها.

مأساة المخيمات
المخيم به صنبور مياه واحد، وحمام للسيدات، وآخر للرجال، وعدد من الأطفال دفعتهم ظروف آبائهم إلى ترك دراستهم، لعدم قدرتهم على مصاريف الدراسة، وعدد من السيدات أمام تلك الخيم فتلك جالسة وسط أبنائها في ضوء الشمس بعد أن نال البرد منها أثناء فترة الليل، وهذه جاء عليها الدور لاستخدام الحنفية لملء أوانيها قبل ألا تجدها مرة أخرى، وأخرى جمعت قطعا من الأخشاب لتدفئه أبنائها، وتسخين المياه لاستخدامها في متطلبات منزلها.

أحياء بصفة أموات
وقالت أم علاء، التي وضعت طفلها الرضيع على حجرها وجلست بجوار والدتها التي عبرت عن مأساتها " إحنا عايشين في الشارع من سنة تقريبًا، ومش عارفين ننام من الخوف، ولا نجيب أكل للعيال علشان عايشين في حتة مقطوعة، ورجالتنا بطلوا يروحوا يشتغلوا علشان مش قادرين يسيبونا لوحدنا، مفيش حد سأل فينا، أنا خيمتي ولعت علينا في الليل بسب المطر اللي وقع على سلوك الكهرباء، ودلوقتي بنام عند أمي علشان جوزي مش قادر يجيب لنا خيمة تانية".

وأضافت: "رحنا للمسئولين عن الحي ومحدش قالنا إنتوا فين، إحنا لاجئين في بلدنا وملناش أي حقوق، ولادنا بطلوا يروحوا المدرسة علشان المدرسة بعيدة أوي عننا ومحدش معاه فلوس نأجر ليهم عربية توصلهم كل يوم، وكذا مرة عربية تخبط واحد فيهم، والحكومة بتحارب أطفال الشوارع طيب يلحقوا ولادنا قبل ما يطلعوا ولاد شوارع، واللي معاه بنات على وش جواز مش بيقدر ينام الليل أصلًا علشان يسيبهم ويروح الشغل، وكذا مرة الناس الشمامين والبلطجية ينطوا علينا من على السور بتاع النادي، إحنا حميانا حتة خيشة، وكل ما نكلم مسئول يقول علينا بلطجية، إحنا لو بلطجية مكناش قعدنا هنا لدلوقتي كانوا رجالتنا طلعونا من هنا لأي مكان تاني بأي أسلوب، إحنا مش عايشين إحنا ميتين، ومعدناش بنطلب من حد حاجة..بنطلب من ربنا".

حمامنا جردل
وأضاف أحمد على، الذي يجلس وسط 3 أولاد بجوار زوجته، في خيمة مكونة من جزأين وضع بينهما ستارة "قماشة" الجزء الداخلي به سرير لهم ولأطفالهم، والجزء الخارجي به بساط فرش على الأرض للجلوس عليه وجردل في جانب الخيمة بمثابة حمامهم الخاص.

وقال إنه يعمل على قوت يومه في جمع الكرتون من القمامة، مشيرًا إلى أن نجله مصاب بالتهاب رئوي، لا يقدر على اصطحابه لمستشفى الدمرداش لعلاجه بسبب خوفه على أسرته من البلطجية الموجودين بالمنطقة، خاصة أن منطقة الخيم تقع خارج المجمع السكني، موضحًا أنهم يستخدمون «جردل» كحمام لأبنائهم في فترات الليل نظرا لخوفهم على زوجاتهم وأطفالهم من خروجهم للحمام، مطالبًا المسئولين بالنظر لأطفالهم بعين الرحمة، وتوفير أربعة حوائط لهم تقيهم برد الشتاء.

وأضاف: "إحنا عايشين في حتة خيشة، حريمنا بتخاف تطلع في الليل، والبلطجية بينطوا علينا من على سور النادي، أي مسئول مش حاسس بينا يحط نفسه مكاننا لو ساعة واحدة، فين البلد والمسئولين؟ يا ريت يبصولنا بس، حسبي الله ونعم الوكيل".

نفسي في أوضة
وتعالى صوت الأطفال بالقراءة من داخل أحد الخيام، منهم طالبة بالصف الخامس الابتدائي تقول عن مأساتها: "أنا مش بقدر أذاكر في الليل، علشان الجو بيبقى برد أوي، والخيمة بتفضل تتهز من الهواء، وببقى خايفة".
فيما قالت روميساء "طالبة بالصف الأول الابتدائي": "أنا مبستحملش السقعة، الجو بيبقى برد أوي في الليل، ولما أصحابي بيسألوني انتي ساكنة فين بقولهم قاعدة في شقة علشان بتكسف أقولهم إننا قاعدين في خيمة، نفسي في أوضة أقعد وأذاكر فيها".

القوة الجبرية
وأشارت نعمة خالد إحدى سكان المنطقة، إلى أن المحافظة استدعت لهم فرقة خاصة تدعى الـ 777 لإجبارهم على ترك مساكن تابعة لزوجة الرئيس الأسبق محمد حنسي مبارك قبل قيام ثورة الـ 25 من يناير، مشيرًة إلى أن الفرقة حملتهم داخل سيارات القمامة إلى أرض النادي، وأمدهم الحي بالخيام في شهر مارس الماضي مطالبة الرئيس عبد الفتاح السيسي بالنظر لحال أطفالهم في فصل الشتاء.

وقال حمدي فايز، إنه انتقل بين ما يقرب من 7 شقق نظرا لحالته المادية الضعيفة، مشيرًا إلى أن أصحاب الشقق طردوهم إبان ثورة الـ 25 من يناير، ورفضوا تأجير شقق لهم في ظل ارتفاع الأسعار وعدم التزامهم بدفع الإيجار شهريا لضعف حالتهم المادية، مؤكدًا أنهم انتقلوا لشقق لمساكن أرض المحلب بمركز الخانكة في أعقاب ثورة الـ 25 من يناير لحمايتهم من البلطجية الذين نهبوا ممتلكاتهم.

لمن الاستغاثة؟
وعلق هاني سعد لافتة على أحد جوانب الخيمة مكتوبا عليها "لم أعلم لمن الاستغاثة..لا أريد العنف..ولا أريد الشغب..الفقير عاوز شقة طيب ليه المحافظ بيقول لا؟..أريد مسئولًا أنا مصري".
وأضاف والدموع تزرف من عينيه: " أنا كنت شغال سباك في المطار، وسبت الشغل علشان الخيمة، وهسيب الدنيا علشان المحافظ بخاف أسيب مراتي وعيالي وأنزل الشغل، مفيش حد حاسس بينا ولا بولادنا، لا رئيس مجلس، ولا محافظ، ولا وزير، ولا أي حد، ابني اللي اتمنيته من ربنا مش لاقي أوكله لقمة عيش، بلدنا مش حميانا بين أربع حيطان يلمونا من البرد والناس اللي بتنط علينا، عايزين أسرق ولا أعمل، ووالدتي تعبانة، وأنا شايل كلية، ومش بقدر أشتغل، أعمل إيه في بلدي، ومطلوب مني مصاريف لـ 4 أفراد، إحنا مش بلطجية علشان المحافظ يقول علينا كده، نفسي أشوف ابني حاجة كويسة".

الحمام بالدور
وحاول أحد أهالي المخيم إيقاف مياه المجاري التي فاضت من الحمامات «الترنش» قبل أن تجرف خيمته وخيام جيرانه، وقد أحاطته القمامة من كل الجوانب، وقال: "النظام السائد في استخدام الحمام هو الدور".

اسكت تعيش
تجلس سيدة أمام إحدى الخيام وتحمل طفلا تغير لونه من شدة المرض، ووضعت بجانبها كل متعلقاتها، وقالت: "أثناء خروجي للكشف على طفلتي بأحد المستشفيات، رجعت ووجدت أن خيمتي مش موجودة بسبب قيام الحي بالاستيلاء عليها بسبب الوقفة التي نظمها أزواجنا أمام مكتب الشكاوى بمجلس الوزراء، للمطالبة بشقة من المحافظة، خاصة أنها كانت فارغة وليس بها أي فرض يحميها منهم، موضحة أنها تجلس مع شقيقتها أثناء فترة الليل، وتعود لتجلس طيلة النهار أمام خيمتها".

تلك المنطقة وغيرها من المناطق التي تحاصر القاهرة الكبرى وينقصها كل الخدمات الأساسية للحياة بمثابة القنبلة المهددة بالانفجار في أي وقت في وجوه المسئولين الذين يصمون آذانهم عن سماع شكاوى المواطنين.


الجريدة الرسمية