رئيس التحرير
عصام كامل

صدمة.. حَق الدُخَّان.. بالقانون!


هاتفني صديق محام من المعنيين بالقضايا العمالية وقوانين العمل، عقب نشر المقال السابق "المرتشون الأندال حدوتة مصرية"، الذي تناولت فيه كيف أن الرشوة هي ترمومتر الفساد في أي مجتمع، وأكدت أنها تجذرت في مصر، وصارت قاعدة، ونبهت إلى آثارها المدمرة ما لم نقض عليها قضاءً مبرمًا.. وناشدت رئيس الجمهورية، أن يدشن لثورة تدمر معبد الرشوة وتدك حصون "اللصوص المقدسة".


في أول الأمر، سألني المتصل هل لديك فكرة عن قيمة الرشاوى؟.. قلت نعم ولكن ليس على وجه الدقة، لكن المؤكد أن للرشوة تعريفة أسعار.. وبتنا على وشك الاصطباح على نشرة بأسعارها، كما نصطبح بقائمة أسعار الخضراوات والعملة وأسهم البورصة.

قال مستخفًا بي قلبك أبيض.. سألته لماذا؟.. صمت قليلًا ثم قال امسك أعصابك.. في قانون الخدمة المدنية الجديد مادة تقنن للرشوة بل تحدد لها تعريفة.. ضحكت وقلت له إذا كان قلبي أبيض أنت لا مؤاخذة حمرا.. وأردفت: الله يخرب بيتك أنت رجعت للحشيش تاني؟!.. أقسم لي أن ما يقوله صحيحًا، ثم قال هناك نص يقول إن من حق الموظف المدني أن يقبل ما أسماه (الهدية) في حدود (300 جنيه)، وأي زيادة في المبلغ يتم تسليمها للجهة التي يعمل بها.

الصدمة مرعبة.. بيد أنني من باب الأمانة آثرت أن أتحرى الدقة، فبحثت عن قانون الخدمة المدنية الجديد، إلى أن عثرت عليه منشورًا في قالب التقرير الصحفي بعدة صحف.. وهو للإنصاف قانون صيغ بإحكام شديد لتنظيم علاقة العمل بين جميع أطراف منظومة الخدمة المدنية.. ثم طُفت أبحث عن ضالتي مقتفيًا أثر المادة التي أبلغني بها صديقي، إلى أن عثرت عليها بعدة تقارير صحفية، وقد وردت بالنص كما يلي: (يحظر القانون على الموظفين تلقي أو قبول هدايا أو أشكال أخرى من المجاملة من أي جهة سواء كانت عامة أو خاصة باستثناء الهدايا الرمزية التي يجرى العرف على تقديمها في الأعياد والمناسبات، التي لا تتجاوز قيمتها 300 جنيه، والهدايا التي تقدم للزائرين أو مسئولين مصريين أو أجانب في مناسبات رسمية وفقًا للأعراف الجارية لاعتبارات المجاملة، على أن يتم تسليمها إلى جهة العمل وتسجيل ذلك بسجلات الجهة)..

لم أعثر على نص المادة كاملة بنصها الكارثي، كما أبلغني بها صديقي المحامي، فهاتفته موبخًا، لكنه أقسم مرة أخرى أن كلامه صحيح، وفيما يبدو أنها نُقِّحَت قبل النشر.

قلت كان لابد من حذفها لفجاجتها ومجافاتها للمنطق بل الفطرة السوية.. ولو أقر القانون بالمادة الكارثية لكنا أمام مصيبة كبرى.. فوفقًا للمادة الجديدة يمكن للراشي أن يدفع للموظف المرتشي مليونا و300 جنيه دون أن يخالف القانون، بمعنى أن الـ 300 جنيه حق للموظف كهدية، والمليون للمصلحة الرسمية، وهذا لا يحتمل سوى معنى وحيد، هو أن البلد قد غرقت في الرشوة من جبينها (لطينها)!!! وبنص القانون.. على أي حال حمدت الله أنني لم أعثر على نص المادة كما أبلغني بها الصديق.

وكالعادة.. أجدد دعوتي للخروج من دائرة النكد، بختام آمل أن يرسم بسمة على شفتيك.

بمناسبة جو الرشوة.. نصيحتي للموظف المرتشي أن يقبض الـ 300 جنيه ولا يبقى شيئًا مؤجَّلًا للراشي، حتى لا يتعرض لما تعرضت له واحدة لا مؤاخذة.. هذه الواحدة اللامؤاخذة طلبت 300 جنيه من رجل مقابل بوسة، فقال الرجل إن كل ما معه 100 جنيه فقط، لكن ممكن يعوضها عن الـ 200 جنيه الباقين ويعطيها الموبايل الذي يصل ثمنه إلى 200 جنيه، وبهذا يكون قد وصلها الـ 300 جنيه.. فوافَقَت.. وبعد البوسة ناولها الـ 100 جنيه، فقالت له هات بقى الموبايل؟.. قال لها: آه صحيح.. خُدي.. زيرو ميَّة وحداشر تلاتة أربعة تسعة خمستاشر تمانيتين.

حبيبي القارئ الجميل.. مش ضحِكْت؟.. أيدَك على حق الدخان؟!.
الجريدة الرسمية