رئيس التحرير
عصام كامل

دكتورة جابر.. التاريخ ليس "حلة محشي" !!


كتبت قبل عدة سنوات بإحدى الصحف مقالا بعنوان "التاريخ ليس حلة محشي يا دكتورة"..كنت رئيسا لتحرير الصحيفة..وكانت النجمة "سيمون" رئيسة لقسم الفن بها في أول وآخر تجربة صحفية لها في مهنة مارستها لعدة أشهر..وقالت الدكتورة لميس جابر وقتها إنها تريد أن تكتب مسلسل "محمد على باشا" لكي يمثله يحيى !


ويحيى هو النجم الكبير المبدع الرائع يحيى الفخراني..وشعرت "سيمون" بالحرج وخصوصا أن موقعها يلزمها بانتقاد زملائها أو صمتها على انتقادهم فانسحبت في شهامة عرفناها وتميزت بها..وقدرنا لها التزامها بعلاقتها بزميلات وزملاء الفن والتمسنا لها العذر وقلنا إن لم تضف لها الصحافة شيئا فلا ينبغي أن تتسبب في خسارتها أشياء !

نتذكر اليوم المقال والقصة..بعد أن أصبحت كتابة التاريخ بالفعل وبكل أسى "حلة محشي" يتصدى لكتابته أي حد..في أي وقت..بلا أي ضوابط..وبغير أي مؤهلات..ومن دون أي مواهب من أي نوع!

وتبدو المهمة المقدسة للدكتورة لميس جابر هي إهانة نظام سياسي محدد..وتجريحه وتشويهه بكل الوسائل الممكنة..فلا يتوقف انبهارها بما قبله وبما بعده وبما هو بعد الذي بعده..ولا نعرف هنا هل هذا عمل سياسي أم عمل تاريخي ؟ إذ يبدو أن الفارق بين العملين ملتبس لديها..فرأيها السياسي في العهد الناصري حقها وهي حرة فيه بل وندافع عن حقها في انتقاده..أما التاريخ فهو موضوع آخر تماما..فالرأي ملك لصاحبه والتاريخ ملك للأمة وللناس وللحقيقة..لكن على كل حال..

من حق الدكتورة لميس أن تنبهر بالعصرين الخديوي والملكي وما بهما من إنجازات تراها..ولكن من حقنا أيضا أن نقول إن البطل الحقيقي للإنجازات المذكورة هو الفلاح المصري الغلبان المغلوب على أمره والذي لا يعرف المصريون عنه شيئا متصلا بهذه الفترة إلا الـ100 ألف شهيد الذين سقطوا مرضا وعطشا وجوعا وموتا في حفر قناة السويس ! دون أي دراية بمئات آلاف آخرين دفنوا بالسخرة في كل إنجاز آخر وبلا استثناء حتى الترع الصغيرة !

تقول الباحثة المعتبرة "ضي رحمي" في "الاشتراكي" بعنوان "أكذوبة الزمن الجميل" في أبريل 2012: "تدنى مستوى معيشة الفلاح المصري إلى درجة لا يمكن أن تقاس بها حالة الفلاح في العالم المتمدن لانحطاطها. ولم يقف بؤس فلاح مصر عند انحطاط مستوى معيشته فحسب بل إن الوسائل التي اتبعت لتنمية ثروته ـ وهي مشروعات الري ـ عملت على انتشار البلهارسيا والأنكلستوما وبجانبها انتشر مرض البلاجرا لسوء التغذية، والتراخوما لانحطاط مستوى المعيشة!

وبالطبع لا يعرف الكثيرون أن ما يقرب من مليون فلاح - نعم مليون فلاح - ذهبوا ضحايا العمل بالسخرة في هذه المشروعات التي تنسب الآن كاملة لأسرة محمد على في وقت كان سكان مصر عام 1900 لا يزيد عن 8 ملايين نسمة وبلغ عام 1952 ما يقرب من 18 مليونًا، وبالتالي فمصر فقدت في هذه الفترة ما يقرب من واحد على عشرة من أبنائها وهي كارثة إنسانية بأي مقياس في العالم ولايمكن تخيل كارثيته إلا لو تخيلنا أن إنجازا في مصر الآن سيكلفها مقتل 9 ملايين من أبنائها لتحقيقه !

على كل حال تناقضات لميس لا تنتهي.. فهي -مثلا مثلا- يعجبها محمد على - ويعجبنا أيضا - لكنها لا ترى أن عهده بدأ بمذبحة تاريخية كبرى..ولا يعجبها عبد الناصر -ويعجبنا- ولكنها لا ترى له إلا تأديب الإخوان !
وعلى كل حال أيضا فجهلها ثابت ومثبت وبالأدلة وبالصوت والصورة ولكنه يستحق مقالا منفردًا وللحديث بقية !
الجريدة الرسمية