رئيس التحرير
عصام كامل

شبكة الإرهاب العالمية


تحدثنا، في إطار تحليلنا لظاهرة الإرهاب منذ سنوات، أن الإرهاب أصبح معولمًا! بمعنى أن ظاهرة العولمة بملامحها البارزة، والتي هي عبارة عن "سرعة تدفق الأفكار والقيم ورءوس الأموال والبشر من مكان إلى آخر على مستوى العالم بغير حدود أو قيود"، أدت بحكم الثورة الاتصالية الكبرى وفى قلبها شبكة الإنترنت إلى ارتفاع معدلات خطورة ظاهرة الإرهاب.


لم يعد الإرهاب، كما كان في الماضى، تنظيمات مسلحة تتركز في أمكنة محددة في بلد من البلاد. فقد ثبت، خصوصا بعد الهجوم الإرهابى الكبير على الولايات المتحدة الأمريكية في سبتمبر، أن الإرهاب أصبح متحركا بحيث يتجاوز حدود المكان، بل إنه أصبح أيضًا يتجاوز حدود الزمان!

اليوم تأكد، بعد الأحداث الإرهابية التي وجهت إلى جريدة "شارلى إيبدو" الساخرة الفرنسية، أن الإرهاب تحول إلى فكرة طائرة يمكن أن يلتقطها أي شخص في أي بلد في أي مدينة ليمارس في ضوئها وتحت تأثيرها فعلًا إرهابا مدمرًا.

وهكذا استطاع ثلاثة أشخاص فقط من أصول فرنسية إسلامية أن يخططوا للهجوم على مقر صحيفة "شارلى إيبدو" وأن يقتحموا بدم بارد صالة التحرير حيث يجتمع مجلس تحرير الصحيفة، وأن ينادوا على ضحاياهم بالاسم ويقتلوهم على الفور، ثم يهربوا.

صحيح أنه تمت الإحاطة بهم في مأواهم وقتلهم، غير أن النظرية ثبتت صحتها، وهى أن الفكر المتطرف يمكن أن يغزو أي عقل في أي بلد وبلا تنظيم رسمى لكى ينفجر إرهاب في وجوه الناس.

نفس النظرية تنطبق على الإرهابى الذي انطلق في مدينة سيدنى بأستراليا واحتجز 40 شخصًا كرهائن في أحد المقاهى إلى أن نجحت الشرطة في تحريرهم.

ومعنى ذلك أن المسئولية على عاتق أجهزة الشرطة في العالم أصبحت جسيمة حقًا. وذلك لأن المسألة لا تتعلق بتنظيمات يمكن التحرى عنها أو مراقبتها أو اختراقها، لأن أسلوبًا إرهابيًا جديدًا أصبحت له ممارسات في بلاد عدة وهو ما يطلق عليه "الذئاب المنفردة".

ويعنى هذا التطور أن عهد التنظيمات الإرهابية التي تنقسم عادة إلى عدة مستويات قد انتهى، وأنه حتى التنظيمات العنقودية والتي كانت تتشكل من بضعة أفراد يتمتعون بالاستقلال في اتخاذ القرارات الإرهابية لم تعد هي الصورة السائدة. وذلك لأن "الذئب المنفرد" ونعنى الشخص الإرهابى الواحد قد تحول في الواقع إلى تنظيم إرهابى كامل ما دام، إذا ما اقتنع بالأفكار المتطرفة لتنظيم كامل مثل داعش، يستطيع أن يتخذ قراره سواء بالهجوم على شخص أو عدة أشخاص وقتلهم كما حدث في واقعة "شارلى إيبدو"، أو حتى حين يصل به الاقتناع بالفكرة المتطرفة إلى حد الإيمان المطلق أن يفجر نفسه ويحدث من الأضرار الخطيرة ما تحدثه قنبلة خطيرة.
أصبح الإرهاب اليوم مجموعة شبكات متناثرة عبر الكرة الأرضية. وهذه الشبكات تستطيع بمنتهى السهولة، إن شاءت، أن تتصل ببعضها في أي لحظة، وذلك لأن الثورة الاتصالية سمحت للبشر بأن يمارسوا الاتصال عبر أدوات متاحة للجميع وخصوصًا الهواتف المتصلة بالقمر الصناعى.

وقد التفت عدد من الباحثين العلميين الرواد إلى أن النموذج القديم للأمن القومى قد سقط نهائيًا، وبرز للوجود مفهوم جديد يقوم على نوعين من الحروب وهما: الحروب الفضائية وحرب الشبكات.

الحروب الفضائية تعبر عنها القوة الاتصالية للدولة المهاجمة التي تستطيع من ناحية أن توجه صواريخها لأهدافها بدقة بالغة ومن مسافات بعيدة كل البعد من ناحية، وتستطيع من ناحية أخرى شل رادارات الخصم وتقضى بالتالى على العلاقات بين القيادات العسكرية الكبرى والجيوش.

ومن ناحية أخرى فحرب الشبكات معناها قدرة التنظيمات الإرهابية على استخدام شبكة الإنترنت لنقل الأوامر والتوجيهات والتنسيق بين الفرق الإرهابية، كما حدث فعلًا في الهجوم الإرهابى الكبير على الولايات المتحدة الأمريكية في حادث سبتمبر الشهير.

وهكذا يمكن القول إن المجتمع الدولى في مواجهته لظاهرة شبكات الإرهاب يحتاج إلى استحداث وسائل جديدة قادرة على منع الإرهاب من عند المنبع.
بعبارة أخرى القضاء على منابع الأفكار المتطرفة!
الجريدة الرسمية