قوالب بالية
أمر طبيعي أن يهتم الوالدان بمولودهما خاصة عندما يكون المولود الأول، وعادةً يكونان قد صنعا له مسبقًا في مخيلتهما قالبًا يحرصان على أن يشب مطابقًا له، فيرسمان له الصورة الكاملة، فهاهو طفل مؤدب، هادئ، مطيع، شاطر، ذكي، مهندم،..
ما شاء الله وما أروع صنيع ذاك القالب ويا له من خيال بديع، وعندما يولد المولود تبدأ رحلة رسم الشخصية الواقعية الحقيقية، وفي الغالب الأعم مع الأسف يكون الرسم عشوائيًا، حيث يربيان الوالدان دون إدراك مدى تأثير كل موقف بل كل كلمة أو تعليق منهما على تشكيل شخصية طفلهما، يبدأ الواقع في الاختلاف عن قالبهما الذي صنعاه بأمنياتهما؛ نتناول اليوم شيئًا قد يظنه البعض بسيطًا وأظنه دون ذلك، ألا وهو اهتمامنا بعيون الناس وتأثيره على تكوين شخصيات أولادنا، نجد هذين الوالدين إذا هما باصطحاب طفلهما لزيارة أحد الأقارب يلبسانه أجمل ما عنده ويوصيانه بآداب الزيارة (أمر طبيعي ولا شيء فيه).
إلا أنه من الخطأ أن يوصياه فيقولان " كن مؤدبًا حتى لا يقال عنك كذا "، (جملة) قد تؤثر على حياته كلها، تظل لعنة عيون الناس تطاردنا فنفقد المسار الصحيح، وقد يختار الابن مجال دراسة أو عملًا لا يريده فقط لأنه مقدر من الناس، وقد ترفض الابنة الزواج بشاب تحبه ويحبها حقًا، لأنه غير مطابق للمواصفات والمظاهر التي تبهر الناس، وهنا يفقد الجميع معنى الحياة.
نحمل أبناءنا الكثر ونخطئ في حقهم دون وعي عندما نفكر في نظرة الناس وكيف يروننا؟ ونستاء كثيرًا من أن يوجه انتقاد لسلوك أولادنا فهو في الحقيقة انتقاد لطريقتنا في التربية، نريد أن نُحمد ونسمع عبارات الإطراء والثناء على تربيتنا، نريد أولادنا يتصرفون وكأنهم آلات، نريد كل شيء مضبوط بالمسطرة فلا نستوعب أن حركة الطفل لعب وليست ( قلة أدب )، وأنه إنسان من حقه الانطلاق لا تمثال، ولا نعترف بالفروق الفردية في تحصيل المواد الدراسية، فنضغط على أولادنا ونفقدهم طفولتهم لاهثين وراء عبث الدرجات النهائية، هذه البراعم الخضراء الغضة، ندهسها بأنفسنا لأنها تتجرأ وتحاول الخروج عن تلك القوالب البالية، تعلموا وعلموا أولادكم ألا يلتفتوا أبدًا لعيون الناس، تقبلوهم وحطموا تلك القوالب البالية كي يسعدوا وتسعدوا.