رئيس التحرير
عصام كامل

ذنب عبد الناصر !


يحتار المرء في ذكرى عبد الناصر وتتزاحم الأفكار في رأسه فلا نعرف ماذا نكتب وعن ماذا نكتب..لكن تبدو الدلالة شديدة..واضحة..جلية للربط بين ما يجري لجماعة الإخوان اليوم وبين ما ارتكبته طوال خمسين عاما بالتمام والكمال من أكبر وأسوأ وأشنع حملة منظمة من جماعة ضد رجل في تاريخ البشرية..ويدرك المتابعون للحملة بحجمها ودرجاتها قدر ما استخدم فيها من خسة ومن تدنٍ ومن استغلال سيئ للعاطفة الدينية، فضلا عن استغلال أسوأ لجهل الكثيرين واعتمادهم على الثقافة السمعية، بالإضافة إلى استغلال المساجد بصلواتها الخمس ومحاضرات الثلاثاء ودروس ما بين المغرب والعشاء، بالإضافة أيضا إلى الإنفاق المالي الرهيب متمثلا في الكتب والمجلات والصحف وشرائط الكاسيت وغيرها وغيرها..


قالوا عن الرجل ما يمكن أن نتخيله وما لا يمكن أن نتخيله..كل الرذائل وكل التهم..كل المساوئ وكل الاتهامات..لم يتركوا نقيصة واحدة - غير الخمر والنساء وطهارة اليد - إلا وألصقوها به..فهو شيوعي ! رغم أنه كان خصما للشيوعية يطارد أفكارها وأنصارها وأنظمتها ولم يأخذ من الروس إلا ما يخدم بلده..وقالوا إن ثورته صناعة أمريكية ! وظللنا لسنوات طويلة نطالبهم بأن يستقروا على حال.. هل هي ثورة صنعتها الشيوعية أم هي ثورة أمريكية ؟! قالوا إنه كان ضد الدين ! ولا نعرف في التاريخ رجلا كان ضد الدين يبني في بلده وفي عهده ضعف المساجد التي بنيت منذ دخول الإسلام إليها ويجمع القرآن مسموعا لأول مرة ميسرًا لغير القارئين، ويؤسس الأعلى للشئون الإسلامية ويؤسس منظمة المؤتمر الإسلامي ويطلق إذاعة خاصة للقرآن تتلوه آناء الليل وأطراف النهار، ويتقرر في عهده الدين مادة للرسوب وللنجاح ويتطور الأزهر بقرارات جريئة وضعته على أعتاب القرن العشرين كجامعة حقيقية للدين والدنيا ويؤسس في الوقت نفسه أكبر كاتدرائية في العالم للمسيحيين الأرثوذكس !

اتهموه بأنه أكل أموال الناس بالباطل، إلا أنه وزعها على الفقراء المعدمين ولم يُدخل بيته منها شيئا..اتهموه بأنه فتت الأرض الزراعية فإذا به وقد ترك بنوك القرية والجمعيات الزراعية تأمينا لذلك إلا أنهم أهملوها بعده..اتهموه بإفساد التربة ببناء السد فيرسل القدر سبع سنوات عجافًا ينقذ فيها السد مصر وشعبها من عطش وجفاف مؤكدين..اتهموه بأنه انهزم لأنه حارب بسلاح الكفار فإذا بنا ننتصر بذات السلاح..اتهموه بالقمع والديكتاتورية ففهمنا بعد سنوات أنه أراد أن يحمي التغيرات الجذرية التي يجريها يبني خلالها شعبا متعلما مثقفا واعيا لا يتلاعب به تجار الدين ولا تجار الديمقراطية..ولم يكن في كل الأحوال ديكتاتورا ليحمي منصبا ولا ليحافظ على سلطة، فلم نرَ شعبا يحب زعيما كما أحبه، ولم نر ديكتاتورا تكون خاتمته أكبر جنازة في تاريخ البشرية !

واليوم نقولها مدوية: اللهم لا شماتة..فلم نر أيضا جماعة يمسحها شعبها من ذاكرته ومن تاريخه بل ومن حياته كلها ويتطهر منها ومنهم ويضع قياداتها موضع عصابات الإجرام ويسترد وعيه بأثر رجعي ويستفيق ويتراجع عن ألقاب منحها بعنوان "الشهيد فلان والشهيد علان". كما حدث مع الإخوان !

إنها عدالة السماء التي قد تمهل..وهي تمهل بالفعل..ولكنها لا تهمل أبدًا !
سلام عليك، أبا خالد..مع الصديقين والشهداء وقد أمضيت إلى ربك مطمئنا تقدم روحك راضيا مرضيا لخدمة شعبك وأمتك حتى النفس الأخير أعدت بناء الجيش هنا وتوقف نزيف الدم هناك.. ونعم الرحيل كان!
الجريدة الرسمية