رئيس التحرير
عصام كامل

إعدام أحمد عز!


في الطفولة وأثناء اللعب مع الأقران أو عند رمي الأذن إلى كلام الكبار.. كان يصل إلينا الحديث عن تزوير الانتخابات..

كان التزوير عملا مباشرا عبيطا لا حرفة فيه ولا ذكاء.. كان الأمر يدويا بسيطا أهبل بقدر إمكانيات وقدرات الزمن وقتها في نهاية السبعينيات وأوائل الثمانينيات..

كان تزوير الانتخابات البرلمانية يتم بما نسميه "بالتسويد".. بطاقات الانتخابات يتم تزويرها لاسم المرشح الذي تريده الدولة، خصوصا في الدوائر التي تفتقد إلى مرشح ذي شأن أو اعتبار مناسب..

تطور الأمر فيما بعد من منتصف الثمانينيات تقريبا.. فبات التزوير إضافة إلى السابق يتم باستغلال أسماء الموتى والمسافرين والمهاجرين مع وضعهم - رحمهم الله أو أعادهم بالسلامة - في أكثر من كشوف لجان عديدة.. إذ لا يتوقف الأمر عند تصويت ميت.. بل تتجول روحه الطاهرة على عشرات اللجان تؤدي الواجب الذي ربما لو كان رحمه الله حيا ما ذهب للتصويت أصلا!

في بداية التسعينيات تطور الأمر.. وظهر ما يسمى بالورقة الدوارة.. وملخصها هو أن يذهب أحدهم للتصويت ويحصل على بطاقة الانتخاب ويقوم بالاحتفاظ بها في جيبه، بينما يضع في الصندوق ورقة أخرى شبيهة.. وفي الخارج يسلم الورقة للمرشح الذي يعطيها للناخب.. والناخب يؤشر عليها أمامه مقابل مبلغ شريطة أن يقوم هو أيضا بالذهاب للجنة للتصويت وأن يحمل معه ورقة تصويت فارغة جديدة يقوم غيره بالتأشير فيها للمرشح أمام عينيه أو أمام أنصاره مقابل مبلغ أيضا.. وهكذا!

الآن.. جاء أحمد عز ليدير بنفسه الانتخابات.. وسع يا جدع.. كل اللي فات ده كوم وابتكارات عز كوم تاني.. ملك الحديد وعازف الدرامز يقوم بـ "تهشيك" المعارضة تهشيكا.. المعارضة طالبت وضغطت من أجل إشراف القضاء على العملية الانتخابية كلها.. قاض على كل لجنة.. فلا تزوير إذن ولا تسويد ولا ورقة دوارة ولا غيره.. فماذا سيفعل عز وحزبه؟ وجوه كريهة فاسدة لا تثق في نفسها، وتدرك أنها ذاهبة لا محالة إن أجريت الانتخابات بشرف ونزاهة.. عز يتفتق ذهنه إلى حيلة جديدة.. وعلى رأي "عزب شو" وهو يقلد نجم النكتة حمادة سلطان.. فـ "الحركة دي.. جديدة"!

وتتلخص الحركة الجديدة في الآتي:
الدوائر الانتخابية عبارة عن قرى أو أحياء.. مبكرا جدا يستطيع أي مرشح أو ناخب أو مراقب أن يدرك الجهات التي ستصوت لفلان والجهات الأخرى التي ستصوت للمرشح الآخر.. وعلى الفور وبدعم من الداخلية وقتها وبقياداتها.. كردونات حول اللجان التي ستصوت للمرشح المعارض أو المغضوب عليه.. القاضي بالداخل والكردونات في الخارج تمنع الناس من الوصول للجان!! نريد أن نعطي أصواتنا.. هكذا قال البعض للضباط.. فتكون النتيجة الاستهزاء والسخرية.. إن كررها سيكون الرد بالإهانة والشتائم.. إن كررها فسيكون الرد بإطلاق عساكر الأمن المركزي.. سيكون الأمر صعبا مع النساء.. يا سلام؟ ودي تفوت على عز.. مسجلات خطر وسيدات لا يعرفن من الأنوثه شيئا يقمن بالواجب!!

بهدلة ومسخرة وقلة أدب.. أقل وصف هو قلة الأدب.. منهم أو منهن من يستطيع بطرق شتى الوصول للقضاة داخل اللجان للشكوى مما يجرى في الخارج.. القضاة يدركون عندئذ سر انخفاض التصويت في لجانهم لكن دورهم يقتصر على الإشراف على التصويت داخل اللجان والنتيجة مذهلة: لا ينجح واحد ممن أريد إسقاطهم فعلا!

ليس هناك يا سادة أسوأ ولا أكثر إجراما من تزوير إرادة الناس.. وخصوصا وهم يقومون بواجبهم الوطني.. ولو كنا في نظام ثوري لربما حكم على أحمد عز - والذي يبيضون وجهه الآن - للسبب السابق ولأسباب أخرى بالإعدام؛ ثأرا لآلام الملايين.. إحباطا وذلا وعجزا ومرارة.. لكنه أفلت وآخرون باختيارنا للشرعية الدستورية وليس للشرعية الثورية بكل أسى وأسف!!
الجريدة الرسمية