كيرى وجماعته.. ضد الشعب وجيشه
سيكون لزامًا على المصريين كافة دفع ثمن الرشوة الأمريكية الجديدة لجماعة الإخوان، هذا ما تؤكده كلمات جون كيرى عن أن بلاده "تدعم" مرسى و"تتابع" انتهاكات حكومته وتشجع اقتراضها دوليًا ومنحها 190 مليون دولار من ميزانية بلاده، أى مساعدتها على إنجاز انتخابات مزورة مسبقًا والتراجع عن مزاعم دعم التحول الديمقراطى التى عززت فرص إعادة انتخاب أوباما.
وجاء لقاء كيرى "الدبلوماسى" مع السيسى "العسكرى"، ليؤكد نية واشنطن الضغط باتجاه "تخليص" مصر لصالح الجماعة، لجعل الجيش خارج نطاق الخدمة الوطنية والعربية بعد جيوش العراق وليبيا وسوريا، وتراجع اليمن، كمكسب نهائى للرأسمالية التجارية المتعاونة مع القطب الأمريكى.
الضغط الأمريكى استهدف المؤسسة العسكرية اتساقًا مع تصريحات إخوانية بابتعاد الجيش عن الحياة "السياسية" للأبد، بعد دعوات وخطوات شعبية واسعة بتحرير توكيلات تفويض الجيش بتسيير شئون البلاد، فى ظل تنامى جرائم النظام وجماعته بحق الثوار ودعاة العصيان المدنى، خاصة أن أول التفويضات خرج من أهالى بورسعيد، الذين بدوا قائدين مشروع المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الاستثمارى القطرى لقناة السويس خلف ستار مشروع الجماعة المحورى على ضفتيها.
فإدارة أوباما تذكرت مشروعها للشرق الأوسط الجديد، والذى ظهر مصطلحه للمرة الأولى عام 1945 على لسان ونستون تشرشل لتقوم بعده إسرائيل بقرار التقسيم الدولى، وعطله ظهور جمال عبد الناصر بتوجهه العربى الثورى أكثر من نصف قرن، والآن تقود واشنطن تنفيذ الجزء الثانى منه لحساب إسرائيل بمباركة إخوانية- قطرية، وربما تجامل شبلها بتسميته "الشرق الأوسط القطرى"، لتقف تركيا وإيران حاميتين له بعد سيناريو "تخليص" سوريا المرتقب.
المخطط الذى غاب عن أذهان النخبة، سبقها إلى خطورته الفهم الشعبى لدور الجيش "كمؤسسة" فى حماية "الدولة المدنية" المساوية فى الحقوق والحريات بين مواطنيها كافة دون تمييز، والتى يُشترط لتدخله فى وجودها جور السلطة التنفيذية على الحقوق والحريات والأرواح والممتلكات وتهديد سياساتها حدود الدولة وأراضيها، وتراجع دور المؤسستين التشريعية والقضائية فى حمايتها، وضعف حركة مقاومة أجهزة الدولة أمام السعى لأخونتها، وإدارة ملف الأمن المجتمعى والسياسى الداخلى عبر وزير بدأت قواته مؤخرًا تلاحق الثوار بصحبة ميليشيات الجماعة، وربما تحت حصارها أو حراستها، إلى جانب "نائب عام" مختار بالهوية.
فيما يظهر مشهد السعى الإخوانى- الأمريكى للفوضى بضرب القوات المسلحة المملوكة للشعب بالشرطة "المدنية" النظامية، فى بورسعيد المشتعلة بالعصيان، كبداية لفهم ضرورة انخراط النخب السياسية فى فعل "المقاومة الشعبية" ضد ميليشيات الجماعة المستهدفة مفاصل الدولة، وأنصارها الذين اخترقوا الحدود وتجنسوا وتسلحوا بأكثر من 10 ملايين قطعة سلاح تجاوزت حدودنا بعد الثورة حتى إبريل الماضى فقط.
إن معركة مستقبل الوطن وهويته تستلزم ضرورة فهم الجيش "كمؤسسة" حقيقة أن كل المؤسسات التى سعت لحماية نفسها وقياداتها فقط، خسرت معركتها أمام الجماعة، وتتطلب تفسير القوى الثورية مصطلح "العسكر" الذى نادت الميادين بسقوط حكمهم، بطريقة أبسط للعامة، تؤكد رفض فساد وإفساد المنخرطين من هذه المؤسسة فى السياسة والبيزنس، وليس ضرب العقيدة الوطنية الأساسية لرجال جيش مصر حماة حدودها وأمن شعبها.
أما سعى واشنطن للتأثير على المؤسسة العسكرية وإبعادها عن مناصرة الشعب فى لحظة فارقة، فهو إجراء معقد يستلزم مواجهته بتفاهمات "نخبوية- شعبية- مؤسسية" حول طبيعة الأزمة المصرية التى تحتاج تدخل الجيش مؤقتًا دون مطمع سياسى، فالحدود مهددة ومخترقة والأقاليم مهلهلة متناحرة بفعل العنف النظامى الموجه، ودولة الإرشاد حلم الجماعة باتت محل تطبيق بلا حدود سياسية لا تزيد مصر داخلها عن "حارة" يديرها شيخ يحترف الجباية، لنا فى وصفها كلام آت.