رئيس التحرير
عصام كامل

بالفيديو..عزبة «جرجس» غير موجودة على خريطة المسئولين..«ناصر»: المنازل الجديدة بطعم المجاري..«محمد»:الحمام محل إقامتي..«أم محمد»:معرفش ولادي بيناموا فين.. وساكن


يعيش سكان عزبة جرجس بحي شبرا حالة من الحرمان، والجوع، معظمهم بؤساء ومقهورين، منهم من يبحث عن العمل ولا يجد الخبز لأولاده، شريحة مصرية يحكم على الأطفال الأذكياء بوأد طفولتهم قبل أوانها، ليتحولوا إلى رجال في سن الطفولة داخل حجرة من خشب وصفيح يسكن بها 8 أفراد وربما أكثر، فالواقع الذي يعيشون فيه يحكم عليهم أن يتناسوا طفولتهم ليواجهوا مصيرا مجهولا بسبب إهمال المسئولين.


بدأت محافظة القاهرة في تطوير العشوائيات بالعزبة منذ شهر سبتمبر الماضي تمهيدًا لنقلهم لأماكن جديدة ليفاجئوا بمقبرة جديدة وغرف أقصى ما يمكن وصفها بأنها «علب» للمعيشة، منازل عبارة عن مبان من الطوب والأخشاب فوق بعضها ولا توجد أي علامات الحياة الآدمية للمواطن.

وتلخصت شكاوي أبناء المنطقة للدكتور جلال السعيد، محافظ القاهرة، أثناء زيارته الأخيرة للمنطقة من وجود "حمام" داخل الغرفة مما سيضيق الغرف الجديدة عليهم في المعيشة مطالبين بضرورة إلغائها.

رصدت عدسة " فيتو" معاناة "عزبة جرجس" التابعة لحي شبرا لمعرفة آلامهم وآرائهم من عمليات التطوير الحالية بالمنطقة.

المجاري
بدأنا جولتنا من شارع وليد عبد الصمد بالعزبة، ومن أمام المنازل الجديدة التي سلمتها المحافظة لأهالي المنطقة منذ شهر تقريبا، لنجد مياه المجاري تجرف الأتربة والقاذورات أمام الأبواب من خلال مجري أنشأ من قبل الأهالي لتسريبها بعيدا عن منازلهم، ومدخل الغرف ضيق ثم السلم الذي لا يكاد يتسع لصعود شخص واحد، ثم الغرف التي لا تكاد تتسع لسرير فرد واحد، وبها مدخل ضيق في أحد أركان الغرفة لنفاجئ بأنه الحمام، وسقف خشبي قديم، ودهانات أبسط ما يقال عنها أنها رديئة، أسلاك الكهرباء عارية، الأمر الذي يعتبر الموت مؤكدا للأطفال حال الاقتراب منها.

نصيبي الحمام
ودخلنا أحد الغرف بالمنزل والتي احتوت على كنبة واحدة موجود عليها طفل نائم، ولا تتسع لموطئ قدم آخر، لنفاجأ بأحد المواطنين ويدعي ناصر محمد، مفترشًا الحمام، ليكون مجلسه ومأكله ومشربه بداخله، وبجانبه عدد من الأجولة المتراكمة والذي يعتبر "دولابه" الذي يحتوي على جميع ملابس أسرته، وجميع أغراضها، وبسؤالنا عن بقية أغراضه رد قائلًا: "اترمت في الشارع لحد ما اتكسرت معنديش مكان أحطها فيه".

دخلنا غرفة أخرى من المنزل والتي كانت الرائحة الكريهة تنبعث من كافة جوانبه، فإذا بشخص مصاب بحالة نفسية جالسًا على الأرض، وليس بالغرفة مكان يفي بكنبة واحدة يجلس عليها، لا يعرف عن الدنيا شئ، لولا دور الأهالي في مساندته، الغرفة بالنسبة له مكان نومه ومعيشته وبيت خلوته في نفس الوقت، وكل ما يملك من الدنيا قطعتين من الملابس بجانبه داخل أحد الأجولة.

"مكنتش عايز تطوير"
وقال ناصر محمد، أحد سكان المنطقة: " الغرف القديمة كانت أفضل من الحالية نظرا لاتساعها، والتي كانت تتسع لموقع سريرين لأبنائنا، بالإضافة إلى وجود مكان للمطبخ والغسالة، وغيرها من متطلبات المنزل".

وأشار إلى أنه استغني عن جميع أغراض عفشه لضيق الغرفة الجديدة، موكدًا أنه لا يعلم شيئًا عن مكان أبنائه في فترة الليل نظرا لضيق الغرفة، والتي لا تكاد تتسع لأحدهما، مضيفًا أن المحافظة تعمل على تجديد العشوائيات، وانتشار الإرهاب من خلال عدم توفير مكان آمن، وتشريد الأطفال الذين أصبح الشارع المأوي الوحيد لهم، وجعلهم عرضه للتطرف والإرهاب، والدخول مع أصحاب السوء، والوقوع تحت رحمة الجماعات الإرهابية من خلال أرضائهم بمبالغ مالية.

عايزين يموتونا
فيما أكد على محمد، أن المحافظة عملت على إعدام الأهالي من خلال بناء عدد من الأدوار أعلي بعضها البعض من الخشب الخالص دون وجود أعمدة لحماية الأهالي، فضلا عن أن المنزل غمرته مياه المجاري فور الاعتماد على شبكة المياه الخاصة به مؤكدًا أنهم لجأوا لرئيس الحي دون أدنى استجابة.

مش عارفة ولادي فين
وبالانتقال لغرفة أخرى، وإذا بسيدة يتعالى صوتها من داخلها، والتي عبرت عن غضبها لعدم معرفة أماكن نجليها نظرا لأن الشارع هو المجأ الوحيد لهما خاصة في ظل عدم توفير مكان مناسب لهما ليتخذ كل منهما خليلا له بالشارع ينام بجواره ساعات الليل.

وأضافت " يا ريتهم ما طوروا ولا نيلوا، أوضتي كانت واسعة، ولماني أنا والعيال اللي مش عارفة ليهم مكان، ولا أعرفهم بيباتوا فين ولا عند مين ولا بيعملوا إيه في الليل محدش حاسس باللي أنا فيه، بعد ما جوزي مات، وبجيب أكلي من الشارع علشان مش لاقية مكان أحط فيه البوتاجاز، وحاجتي مرمية في الشارع علشان مش لاقية مكان ألمها فيه، حسبي الله ونعم الوكيل في اللي فرقنا وشتت شملنا".

حمامنا مطبخنا
وبالدخول لغرفة أخرى لا يتعدي اتساعها مترين وإذ بها خمسة أفراد نائمين على حصيرة على الأرض، واعتبروا الحمام بيت خلوة لهم ومطبخًا في نفس الوقت، وقالت أم سيد إن لها خمسة أبناء "3 بنات وولدين "، أكدت أنها جعلت غرفتها ملك للأولاد في فترة النهار والبنات في فترة الليل نظرا لضيق الغرفة الجديدة، والتي لا تتسع لهم جميعًا مطالبة المسئولين عن أعمال البناء بالمشروع بالتدخل لإلغاء الحمام الخاص بها حتى تتسع الغرفة لنوم جميع أبنائها ليلًا.

مياه الصرف الصحي، وسوء الحالة الصحية بالمنطقة أدى لإصابة عدد كبير من أبناء المنطقة بأمراض عديدة، فلا يكاد تخلو غرفة من المنازل إلا وبها شخص مريض هذا مصاب بمرض نفسي وذلك برطوبة في ظهره بسبب النوم على الأرض التي تغمرها مياه الصرف الصحي، وأخرى بترت ساقها بسبب الإهمال الصحي.

الفساد رمز الإرهاب
وقال محمد عثمان، أحد سكان المنطقة، إن المحافظة عمدت لتطوير منازل القرية بمبلغ قدر بـ 65 مليون جنيه، مشيرًا إلى أن المحليات أهملت في حق الأهالي، مما أدي لانتشار أعمال البلطجة والأدمان وانتشار بيع المخدرات بالمنطقة مطالبًا الرئيس السيسي بالتدخل لحل مشاكل المواطنين قبل أن تندلع منهم ثورة لن تسطيع مؤسسات الدولة إيقافها قائلًا "اوقفوا الفساد علشان ينتهي الإرهاب".

خمس غرف على حمام
وانتقلنا إلى منزل آخر قديم لم يصل إليه التطوير بعد، مكون من خمس غرف، الغرفة الواحدة منه يعيش بها أكثر من 8 أفراد، تتساقط أجزاء من جدرانه بمجرد أن تلمس يدك أحد أجزائها، ذات سقف مفتوح من أعلي ومرقع بـ"النيلون" ومكان به فتحة غريبة وبجوارها" جردل" على جانب الغرفة، فإذا به الحمام والذي كان عبارة عن مكان ليس به سقف من أعلى ولا تكاد تستطيع الوقوف معتدلا بداخله بسبب انخفاض مستوى سقفه عن الأرض.

مكان الخيم بالعزبة امتلأ بالأطفال الذين يلعبون، لا تستطيع التمييز بينهم بسبب الأوساخ والأتربة التي أصبحت جزءا من جلودهم بسبب كثرتها وتراكمها، وإذا بمجموعة من السيدات يفترشن الأرض هذه تغسل أوانيها في مكان ما بالشارع، وتلك جالسة وسط أولادها، أخري جمعت قطعا من الأخشاب والحطب لصنع طعام أبنائها الصغار.

ما إن تدخل تلك المنطقة حتى تصاب بحالة من الذهول للحال التي وصل إليها هؤلاء المواطنون من التردي والإهمال والتهميش الأمر الذي ينذر بكارثة ويصبح الأطفال بمثابة قنابل موقوتة ستنفجر يوما في وجه المسئولين في صورة بلطجية أو إرهابيين نظرا لعدم الاهتمام بهم وتنشئتهم بطريقة صحيحة.
الجريدة الرسمية