رئيس التحرير
عصام كامل

المرتشون الأندال.. حدوتة مصرية!


*عندي قناعة تصل إلى حد اليقين، أن الرشوة هي ترمومتر الفساد في أي مجتمع.. بمقدار امتدادها يمكن التعرف بسهولة على حجم الفساد في مجتمع بأكمله.


خطورة الرشوة أنها إبطال حق وإحقاق باطل.. إذا ما انتشرت في مجتمع تهاوت أركانه، وانزلق إلى الدمار والانهيار.. والرشوة لا تنتعش إلا مع ضعف السلطة السياسية والترهُّل الإداري، وغياب المساءلة والشفافية، ومن ثم لا تصل يد العدالة إلى المرتشين.

من نتائجها المباشرة انهيار الثقة بين المواطن والدولة.. ولك أن تتخيل مردود الرشوة على المواطن حين يشعر أنه يحصل على حقه المشروع الذي كفله له القانون مقابل مال يُنتزع منه بوحشية وابتزاز وبدون وجه حق.. أو يحرم من حق أصيل يصل لغير المُسْتَحِق القادر على دفع الرشوة.. هل يشعر ذلك المواطن بالأمان والولاء والانتماء؟

وبكل الأسى والأسف.. صارت الرشوة الآن هي القاعدة، بينما الشرف والأمانة وأداء العمل لوجه الله والوطن والإنسانية هو الاستثناء، حتى بدت منظومة الرشوة كما لو كانت نصوصًا مقدسة وضعها زمرة من لصوص يسطون على أموال المواطن بدون وجه حق، وتلك الزمرة بات من المستحيل اجتثاثها بعد أن امتدت جذورها في أروقة المصالح، وصاروا كما لو كانوا "تنظيم قاعدة اللصوص المقدسة".

وحتى لا أحرق دمك أكثر من ذلك.. دعني أخطفك من دائرة مفردات النكد والغم، وأروي لك حدوتة لطيفة، اخترت لها عنوانًا هو"المرتشون الأندال".

تقول الحدوتة إن رجلًا دخل إحدى إدارات مجلس المدينة، وتوجه إلى المكتب المختص بإنهاء مصلحته.. كان يعلم تمام العلم أن مصلحته لن تنتهي إلا بعد دفع الرشوة.. وفيما يبدو أنها المرة الأولى التي يخوض فيها تجربة دفع رشوة، لذا بدا مضطربًا ومترددًا.

لكنه سرعان ما توصل إلى فكرة تحسم تردده وترفع عنه الحرج وتنفي عنه الشبهة، لو ظهر فجأة وعلى غير العادة، أن بالمكتب شرفاء لا يقبلون الرشوة.

ترك الرجل مظروفًا به الألف جنيه قيمة الرشوة على طرف مكتب خالٍ من شاغليه، ثم دار على الموظفين يحصل على التوقيعات والأختام المطلوبة دون أن يلتفت أحد للمظروف.

أنهى الرجل أوراقه، وقبل أن ينصرف قال محدثًا نفسه: لقد أسأت الظن بموظفي المحليات، وأنهيت مصلحتي دون أن يطلب أحدهم رشوة ولم يلتفت أحد للمظروف.

وبينما هو يحدث نفسه ويختلس النظر من خارج المكتب، لمح أحد الموظفين يلتقط المظروف ويوزع الألف جنيه على زملائه، فابتسم وانصرف وهو يردد في نفسه المثل القائل: "صحيح.. أمك البصل وأبوك التوم منين تيجيلك الريحة الحلوة يا مشئوم؟!".

بعد نحو أسبوع، كان الرجل بحاجة إلى شهادة إدارية من اثنين موظفين بأنهما يعرفانه.. الرجل ليس له أصدقاء ولا يعرف موظفين، فقرر أن يلجأ لنفس المكتب بمجلس المدينة ويُطْلِع اثنين منهم على بطاقته الشخصية ويوقعان الشهادة ويختمها.. دخل الرجل المكتب، وعرض طلبه وكانت المفاجأة أنهم تجاهلوه تمامًا.. وبين توسلات الرجل سأله أحد الموظفين هل يعرفك أحد بالمكتب؟.. قال الرجل: كلكم تعرفونني.. سأله الموظف: كيف؟.. قال: أنا صاحب الألف جنيه اللي كانت على المكتب ده.

أختم وأقول.. في ظل الدعوات المتواترة الآن لتحقيق طفرة ثورية.. لا أتردد البتَّة في مناشدة الرئيس عبد الفتاح السيسي أن تبدأ الثورة بهدم معبد الرشوة.. اعقلها يا ريس وتوكل، وابدأ باللصوص المقدسة.
الجريدة الرسمية