لبنان بين جعجع.. وأمراء الحرب
في كتاب صدر حديثا عن سيرة رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، لفت الصحفية اللبنانية "ندى عنيد" ودارت في أوساط الساسة في بلاد الأرز منذ الحرب الأهلية في السبعينيات، مرورا بالاجتياح الإسرائيلي حتى اليوم.
داخل حزب القوات اللبنانية وبين أنصاره في مناطق الموارنة.. مشهور جعجع بـ "الحكيم"، هو في الأصل طبيب نفض المهنة عن نفسه في طريقه لحريات بلاده.. وبحثا عن هوية ليست مخلوطة بطابع سوري.. ولا مشوبة برائحة إيرانية.
بعد أكثر من 11 عاما معتقلا في قبو وزارة الدفاع في اليزرة ببيروت، قرر "سمير جعجع" ترك النظر للوراء.. ونفض المشاعر السلبية.
عاب سمير جعجع على إعلام موجه ما زال يقرن اسمه حتى الآن بلقب "أمير الحرب"، مع أن كثيرين غيره هم الذين يستحقون اللقب.. وبامتياز.
مع قرار الحكيم ترك النظر للوراء.. توقفت "ندى عنيد" عند خطاب عقلاني رصين لجعجع بعد أيام من اغتيال الحريري.. كان اعتذارا عما فات.. اعتذارا عن الدم الذي اختلط سفاكوه ببعضهم، فلم يعد يظهر أيهم لبناني وأيهم ليس كذلك.
اعتبر الحكيم حل أزمة بلاده في إطلاق الحريات للكوزموبوليتانية السياسية الفريدة للمجتمع اللبناني؛ كي يمتلك قراره ويعيد البناء.. فلا اللبناني غربي.. ولا هو سوري.. لذلك أكثر وزن كلامه عن السلام، بينما آخرون مازالوا يتكلمون عن "المصالحة" من على طاولات الحرب وبملابس القتال.
يقين "الحكيم" بعد سنوات من الدم، أنه لا سلام إلا بإعلاء قيم الدولة.. الحل في تأصيل هوية لبنانية حقيقية ربما استهدفها اتفاق الطائف.. لم تتحقق للآن.
تركت القوات اللبنانية السلاح.. سلمت المليشيات آلياتها المجنزرة وراجماتها في بادرة حسن نوايا.. لكن بقى سلاح حزب الله بحجة المقاومة.. استمرت القنابل "السورية" المفجرة عن بعد، تحصد رموزا في البلد يتعذر في النهاية على جهات التحقيق التوصل إلى كيفية قتلهم.. ولا من قتلهم.. ولا بأي ذنب قتلوا.
يعرف اللبنانيون أنواع القنابل.. واسم الدول المكتوبة على داناتها.. لكن تختفي الأدلة دائما بمساهمة حكومات.. تحكم لبنان من دمشق!
في سيرته.. يحكي "الحكيم" كيف عبث نظام الأسد بلبنان.. كيف حاول إسكات أصوات وطنيين بالاستمالة أحيانا.. وبتفجيرات الريموت كنترول أحيانا.. وبالدس أحيانا أخرى.. لذلك ظلت الأزمة بلا حلول.. فإما أن تظل الجمهورية بلا رئيس.. أو يقبل اللبنانيون.. والحكيم على وجه الخصوص.. برئيس تفرضه الشام.
قبل أسبوعين.. أعلن في بيروت دخول حزب الله جولة مباحثات مع تيار 14 آذار.. مباحثات أقرتها سوريا من "تحت لتحت" بدعوى رغبة الحزب في تقديم حلول للأزمة اللبنانية.. يتمسك حزب الله بسلاحه مع أن بديهيات حل الأزمة في نزع سلاح الجميع.
يصّر الحزب على أن يظل دولة داخل الدولة، بينما أبجديات تفكيك المعضلة في احتكام الجميع لدولة واحدة.. وحيدة.
يتباحث تيار 14 آذار بحسن نية.. على خلاف حزب الله الذي يبحث عن "كلام كثير" ومزيد من استنزاف الوقت.. ومزيد من الفرص دخولا وخروجا من سوريا، مناصرا جيش بشار الأسد في حربه ضد المعارضة، لكن لم يعد هناك معنى لحديث حزب الله عن "المصالحة الوطنية" وكرسي الرئاسة اللبنانية شاغر.. بلا رئيس.
بالنسبة للحكيم.. المرشح الأقوى للرئاسة، أنه مادام هناك بارقة أمل.. فإن طرق كل الأبواب مطلوب.. مهما كانت النوايا.
لم يعد جعجع أميرا للحرب.. لكن هناك من يصرون على إلصاقه به، فيما هم أمراء الحرب الحقيقيون.. بأكاذيب وكلام فارغ عن رغبتهم في السلام.