رئيس التحرير
عصام كامل

وهكذا ضاعت حقوق العمال بالشركات


الخصخصة تعني ببساطة قيام شركة خاصة بخدمة عامة كانت تضطلع بها مؤسسة حكومية، وهو ما يتحقق بنقل ملكية المنشآت العامة المملوكة للدولة أو إدارتها من القطاع العام الحكومي إلى القطاع الخاص.

ويترتب على بيع أصول مملوكة للدولة إلى القطاع الخاص أن تتوقف الدولة عن تقديم خدمات كانت تضطلع بها في السابق مباشرة، وتعتمد على القطاع الخاص في تقديم تلك الخدمات لأفراد الجمهور المنتفعين بالخدمات العامة.

وكانت الولايات المتحدة الأمريكية هي أول دولة تطبق الخصخصة عام 1676، حينما قامت بلدية نيويورك بإسناد القيام بأعمال نظافة شوارع المدينة لشركة خاصة، وقد انتشر هذا الأسلوب الاقتصادي في الربع الأخير من القرن الماضي على يد صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، الذين اعتمدا شرط تطبيق الخصخصة كشرط أساسي لمساعدة دول العالم النامية ماليا، وفي إصلاح أوضاعها الاقتصادية، ففي خلال السنوات 1996 - 1997 وصلت مبيعات المؤسسات العامة إلى القطاع الخاص في أوربا وحدها إلى 53 مليار دولار أمريكي، وفي أمريكا اللاتينية إلى 17 مليار دولار أمريكي، وفي آسيا إلى 9 مليارات دولار أمريكي، ولعل هذا يعكس تناقص دور القطاع العام كمالك للأصول الإنتاجية في الاقتصاد، وهو ما يعكس انتشار سياسات الخصخصة على مستوى العالم، إذ زاد عدد الدول التي طبقت برامج وعمليات الخصخصة من 12 دولة في عام 1988 إلى أكثر من 80 دولة عام 1995.

وقد بدأت مصر تطبيق سياسة الخصخصة في عام 1991، بصدور قانون قطاع الأعمال العام الصادر بالقانون رقم 203 لسنة 1991، وكانت أولى عمليات الخصخصة هي عمليتا بيع شركة الكوكاكولا، وبيع فندق شيراتون القاهرة عام 1993، ثم توالت بعد ذلك بيع العديد من الشركات.

والواقع أنه مما لا شك فيه أن أسلوب الخصخصة كسياسة اقتصادية نظرية، قد يكون أسلوبا ناجحا، يتضمن علاجا لمشكلات اقتصادية تعاني منها اقتصاديات الدول المختلفة، وهو أمر لا ينبغي أن نخوض فيه كثيرا، فيكفي للدلالة على صحته أن أغلب علماء الاقتصاد على مستوى العالم رأوا فيه حلا لتطوير المجتمعات وزيادة معدلات النمو بها، لكن سلامة الفكرة وصحتها نظريا، لا تعني بالضرورة صحة تطبيقها عمليا في جميع الأحوال.

شهد التطبيق العملي لسياسات الخصخصة في مصر، أضرارا جسيمة بحقوق العاملين بالشركات العامة التي تمت خصخصتها، فبموجب قانون قطاع الأعمال العام رقم 203 لسنة 1991 تم تحويل أغلب شركات القطاع العام إلى شركات قابضة وشركات تابعة تخضع لتنظيم قانوني مختلف عن التنظيم الذي كانت تخضع له وفقا لقانون القطاع العام رقم 48 لسنة 1978، إذ خضع العاملون بالشركات التابعة بعد اعتماد اللوائح المنظمة لشئونهم إلى أحكام قانون العمل رقم 12 لسنة 2003، وهو ما يسر إنهاء خدمة الآلاف من العمال وفصلهم.

فوفقا لأحكام قانون العمل، الذي صار هو القانون المنظم لشئونهم، فإن من سلطة رب العمل تنظيم منشأته واتخاذ ما يراه من الوسائل لإعادة تنظيمها، وإن أدى به ذلك إلى تضييق دائرة نشاطه أو ضغط مصروفاته، متى رأى من ظروف العمل ما يدعو إلى ذلك، بحيث إذا اقتضى هذا التنظيم إغلاق أحد فروع المنشأة أو أحد أقسامها وإنهاء عقود بعض عماله فإن سلطته في ذلك مطلقة تقديرية، متى كان لهذا الإنهاء ما يبرره وانتفى عنه وصف التعسف، ولا يجوز لقاضي محكمة العمال أن يحل محل مالك الشركة في تقدير هذه الظروف والأسباب التي دعت إلى إنهاء خدمة العامل، وإنما تقتصر رقابة القاضي على التحقق من جدية المبررات التي دعت إلى ذلك.

كما أن خلو قانون العمل من نص يجيز إلغاء قرار إنهاء خدمة العامل وإعادته لعمله، أدى إلى أن القرار الصادر بإنهاء الخدمة تنقضي به الرابطة العقدية بين العامل وصاحب العمل، ولو اتسم هذا القرار بالتعسف، ولا يخضع قرار إنهاء الخدمة لرقابة القضاء العمالي إلا في خصوص طلب التعويض عن الضرر الناجم عنه إن كان له محل ما لم يكن إنهاء الخدمة بسبب النشاط النقابي للعامل، فالقاعدة العامة وفقا لقانون العمل، أن لصاحب العمل إنهاء العقد غير المحدد المدة بإرادته المنفردة، وإنه بهذا الإنهاء تنتهي الرابطة العقدية بينه وبين العامل، ولو اتسم إنهاء الخدمة بالتعسف غاية الأمر أنه يترتب للعامل الذي أصابه ضرر الحق في التعويض النقدي.

وحتى جزاء الفصل من الخدمة الذي عقده قانون العمل للمحكمة العمالية وحدها، ولا يملك صاحب العمل قانونا توقيعه، فإن ذلك لم يمنع من إمكانية إنهاء عقد العمل غير محدد المدة بإرادة صاحب العمل المنفردة، وهو ما يحقق لصاحب العمل رغبته في إنهاء خدمة العامل ويرتب أثره القانوني بفصم الرابطة العقدية بين العامل وصاحب العمل، ويحقق لصاحب العمل غرضه، إما قبل خضوع هؤلاء العاملين لأحكام قانون العمل، فكان يسري عليهم القانون 48 لسنة 1978، الذي كان لا يجيز فصلهم تأديبيا إلا بحكم من المحكمة التأديبية بناء على دعوى تقيمها النيابة الإدارية التي تجري تحقيقا قضائيا محايدا، لا يهدف إلا إلى كشف الحقيقة وتحديد مسئولية العامل عما نسب إليه بموضوعية ودون تعسف، فكانت هذه هي أهم الضمانات القانونية التي تحمي حقوق العمال، وتمنع من التعسف بهم، التي تم إهدارها.

وقد أدت هذه السلبيات إلى زيادة عدد العاطلين في مصر بصورة كبيرة، وإلى الإضرار بأسر العاملين، وهو ما خلق مشكلات اجتماعية معقدة، ينبغي سرعة معالجتها لتحقيق العدالة الاجتماعية، لذلك أدعو إلى تعديل قانون قطاع الأعمال العام رقم 203 لسنة 1991 باستحداث نص بعدم جواز فصل العامل بالشركات التابعة التي تساهم الدولة أو الهيئات العامة في رأسمالها بأي نسبة إلا بحكم توقعه المحكمة التأديبية بعد تحقيق تباشره النيابة الإدارية، وضرورة وضع ضوابط في قانون العمل تلزم صاحب العمل بإعادة العامل الذي يثبت أن قرار إنهاء خدمته تعسفي وغير قائم على سبب يبرره، وليس فقط تعويض العامل عن إنهاء الخدمة.
الجريدة الرسمية