رئيس التحرير
عصام كامل

حقيقة العلويين


إن محاولة الغرب لتقسيم سوريا مثلما حدث فى عدد من الدول العربية، تؤكد جهله وعدم استيعابه للتعقيدات الجغرافية والطائفية فيها، فالقوى الغربية تستعين فى تشخيصها لمناطق الصراع فى سوريا لمعلوماتها الفقيرة بشأن الانقسامات الطائفية هناك، حيث أن المناطق الجبلية التابعة للعلويين وبالأخص بلدة "القرداحة"- منزل عائلة الرئيس السورى بشار الأسد - تعد آخر معقل للطائفة العلوية هناك.


ويعى الغرب جيدا أن تلك المنطقة خط أحمر بالنسبة للأسد، وهو ما يثير تساؤلاً حول ما إذا كانت " القرداحة" آخر معاقل الطائفة العلوية التى تشكل نحو 12 % من إجمالى تعداد سوريا، عندما يتمكن الثوار من بسط سيطرتهم على العاصمة دمشق وتحريرها من قبضة قوات الأسد؟"

وتؤكد دلائل رغبة الغرب التى تهدف دائما إلى إحداث مثل هذه الانقسامات فى دول الشرق الأوسط، وهو ما يعيد إلى الأذهان تقسيم العراق إلى مناطق تقطنها أغلبية شيعية وآخرى كردية وفى الوسط مناطق تقطنها الأغلبية السنية، وأيضا مثل ما حدث فى لبنان فإن الشيعة تسيطر على مناطق بعينها بينما الشيعة فى الشرق فى حين تسيطر السنة على طرابلس وصيدا والمسيحيين فى شمال بيروت.

الواقع يؤكد أن سوريا، التى لا يفهمها الغرب، لا تصلح لمثل هذا التقسيم الطائفى على أساس الأقليات العرقية، ومدينة حلب، قبل نشوب الصراع الدائر حاليا فى سوريا، كانت دائما موطنا لأهل السنة والمسيحيين والعلويين جنبا إلى جنب إلى حد سواء، ولكن المشكلة، بالطبع هو أن سوريا لا تصلح لهذا التقسيم للأقليات الدينية، فالعلويون كثيرا منهم لم يأت إلى حلب ودمشق من المناطق الجبلية، موطنهم الحالي، كما أن الكثير من العلويين جاء من الاسكندرونة والتى هى الآن ضمن محافظة هاطاى التركية، ووفقاً لأبحاث عديدة حاولت البحث فى نشأتهم، فإن العلويين هم ضحايا تاريخ طويل من المعارضة الدينية والاضطهاد والقمع، فالطائفة العلوية أو "النصيرية" نسبة إلى محمد بن نصير، وهى التسمية التى نجدها فى كل الكتب التى تحدثت عنهم قبل القرن العشرين، قد عرفوا أيضا بـ (الخصيبية) نسبة إلى الحسين بن حمدان الخصيبى، لكن كلمة "علويين" أطلقها عليهم الفرنسيون أيام احتلالهم لسوريا بعد الحرب العالمية الأولى، وتعد فكرة فصل الدين عن المجتمع فكرة أساسية عند العلوين حيث أنه لا توجد مرجعية دينية عند العلويين وهناك رفض عام لتدخل رجال الدين فى المجتمع، ويعد العلويون من أكثر الطوائف انفتاحا مع انتشار الفكر العلمانى واليسار، وعلى الرغم من ذلك فإن هناك المناطق التى تقطنها أغلبية علوية على طول شرق دمشق لا تزال تعانى من الفقر المدقع.
هذا كله يعنى ضرورة التخلى عن فكرة تقسيم البلاد وفقا للأقليات الدينية، نظرا لتعقد التوجهات والمذاهب فى سوريا.
• نقلاً عن الإندبندنت
الجريدة الرسمية