رئيس التحرير
عصام كامل

جاسم بودي: دعم مصر دعم لاستقرار الكويت.. القاهرة دفعت ثمنا غاليا من أجل قضايا العرب لا يعوضه خزائن الأرض..عندما احتجنا مصر وجدناها معنا والآن نحن معها.. ومساعدة الأشقاء كانت وما زالت رسالة ودورًا


قال الكاتب الكويتى "جاسم بودي" رئيس مجلس إدارة صحيفة "الراي" الكويتية، شغلتنا مصر وشغلنا مصر في اليومين الماضيين. كان الخبر الكويتي مصريًا والخبر المصري كويتيًا. زارنا الرئيس المصري حاملا هموم بلاده وهواجسها وملفات التعاون ورؤيته حول شئون المنطقة وشجونها، ولمس تقاربًا في الرؤى والتحليل وأساليب التعاطي مع نيران البراكين وحممها المتطايرة لهبًا في هذا الإقليم.


نعم.. لدعم مصر
وأضاف بودي في افتتاحية عدد اليوم من الصحيفة والتي جاءت تحت عنوان " نعم.. دعم مصر دعم لاستقرار الكويت"، إن القاهرة هي القاعدة – الإقليم للعالم العربي. هكذا كانت وهكذا ستبقى، وهي المركز الذي يؤثر في كل ما حوله، وهذا الكلام ليس من أدبيات العاطفة العربية بل هو مختبر في التجربة العملية.

مضيفا، ودفعت مصر ثمنًا غاليًا من أجل قضايا العرب. خسرت أغلى ما عندها وهو أرواح مواطنيها وهذا في رأيي ثمن لا تعوضه خزائن الكرة الأرضية، كما استنزفت اقتصاديًا وماديًا بسبب سياسات الحصار الخارجية إضافة إلى التخبط طويلا في سياسات داخلية خاطئة تدرجت فيها الدورة المالية والاجتماعية والاستثمارية والصناعية والزراعية على مدى عقود بين قرارات اشتراكية أو نصف اشتراكية أو رأسمالية أو شيء مشترك فرضته الظروف وأنتج مزيدًا من الجمود والتراجع.

مرحلة جديدة
مشددا على إن مصر تقف اليوم على أعتاب مرحلة جديدة، وهي مرحلة يجب أن تنجح اعتمادًا على تطوير القاعدة الاقتصادية وجعلها الأساس الذي تبنى عليه قرارات السلطة داخليًا والجسر الرئيسي لعبور العلاقات مع الدول الأخرى الشقيقة والصديقة.

معتبرا أنه في هذا الإطار، أتت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للكويت، وكم كانت النخب الكويتية الرسمية والشعبية مرتاحة فعلا لتغليب الاقتصادي على السياسي في محادثاته، لأن الكويتيين والمصريين سئموا رؤية حناجر صادحة وراء الميكروفونات تلهب الأكف بشعارات النضال والثورة واشتاقوا فعلا لكلام هادئ يضع مصلحة البلاد والعباد في أولية العلاقات.

أجواء شعبية ورسمية
إنما لا بد من التوقف عند «أجواء كويتية» رافقت زيارة الرئيس المصري وغيره من رؤساء الدول الأخرى، وهي خروج أصوات بعضها سياسي وبعضها شعبي يربط بين مساعدات كويتية مرتقبة لهذه الدولة أو تلك وبين «أحقية» الكويتيين في هذه المساعدات... وهنا لا بد من كلام هادئ لأننا أيضا من الذين ملوا من شعارات النضال والثورة، مشددا على ضرورة دعم القاهرة لخمسة أسباب جاءت كالتالى.

أولًا، لفتني كلام من مسئول سياسي كويتي رفيع المستوى ومن مسئول اقتصادي كويتي رفيع المستوى جاء فيه ما معناه أننا عندما احتجنا مصر وجدناها معنا وعندما احتاجتنا مصر وجدتنا معها، وهذا يعني أن التعاون بين الأشقاء شيء طبيعي. وأنا سأزيد بأن ميزان التعاون في بعض المراحل التاريخية يجعلنا نخجل من الحديث عن الماديات إذا كان الطرف الآخر، وأعني مصر تحديدًا، «فدانا» بالروح والدم عندما كنا نخسر الأرض والروح والدم، ووقف معنا في كل المحافل لاستعادة الدولة فيما كان آخرون يضعون قدمًا في منطقة الحق الكويتي وأخرى في منطقة الصفقات والتسويات الدولية التي يمكن أن تخدم كثيرين إلا الكويت. «معليش» ذاكرتنا ليست قصيرة وكل المواقف محفوظة وموثقة ومسجلة... خصوصا المواقف التي دعت إلى حلول تفاوضية وسياسية بدل بناء التحالف الدولي – العربي للتحرير.

ثانيًا، إن مشكلتنا في الكويت اقتصاديًا وماليًا ليس سببها المساعدات الخارجية للدول الأخرى. مشكلتنا «منا وفينا» وأخطاؤنا لا تتحملها البعارين. والغريب أن عددًا من الأصوات الرافضة للمساعدات ربط بينها وبين إجراءات شد الحزام المطلوبة داخليًا، والجميع يعرف أن هذه الإجراءات كان يجب أن تحصل من فترة طويلة، وكنا نقول وكثيرون معنا إن النمط الاستهلاكي المنفلت من عقاله يجب ألا يركن إلى البحبوحة المالية الناتجة عن وفرة أمّنتها أسعار النفط، وإن الزمن يتغير، وإن قصة الدولة الراعية لكل شيء لم تعد تقنع حتى الأطفال، وإن دولة الرفاه لا يمكن أن تستمر إلا بإصلاحات اقتصادية وتطويرات تشريعية وقانونية، وتغيير مفاهيم وقيم وسلوكيات تتعلق بالعمل والإنتاج والتنمية، والتوقف عن حشر جميع الكويتيين في القطاع العام ووقف الهدر والفساد ونهب المال العام والواسطات والتجاوزات.

ثالثًا، إن المساعدات الكويتية كانت وما زالت رسالة ودورًا، وهذه الرسالة هي التي نقلت علم الكويت من حدوده الجغرافية الصغيرة إلى مختلف بقاع الدنيا مؤشرًا إلى حضور حضاري وأياد بيضاء. أما الدور فهو مفهوم البناء لا الهدم وهو المساهمة الإيجابية لتطوير قطاعات تهم الشعوب نفسها وتخدمها وتساهم بطريقة أو بأخرى في دعم أمنها الاجتماعي.

رابعًا، نستغرب حقيقة من الذين يحصرون الكويت في إطارها المادي، وكأن الكويت هي عمليًا دينار أو دولار أو برميل نفط فحسب. أليس لدينا أي شيء في العالم نتحدث به للزعماء والشعوب الأخرى غير التباهي بالماديات أو إعلان رفض المساعدات؟ ألا نملك دورًا أو أفكارًا أو رؤى؟ ألم نطفئ النار هنا ونحول دون اندلاع نار هناك؟ ألم نساهم في مبادرات معلنة وغير معلنة في ترسيخ استقرار إقليمي كان اهتزازه كفيلا بهز استقرارنا؟ ألا نملك إرثًا تاريخيًا من الانفتاح والحريات والتجارة والفكر والثقافة والدستور والقوانين والتشريعات؟ ألم يسم العالم أميرنا وقائدنا «زعيمًا للإنسانية» بسبب لعبه دور الإطفائي إقليميًا ودوليًا وبسبب دوره العالمي في إغاثة المحتاجين؟

خامسًا، إن المساهمة في دعم استقرار مصر هي دعم في استقرار الكويت، وهذا الدعم وإن أتى حاليًا على شكل مساعدات عاجلة إلا أنه يجب أن يتحول مستقبلا إلى تعاون فوق أرضية مشتركة من المصالح المتبادلة التي تحقق منفعة حقيقية للجانبين. تخيلوا حجم العمل المشترك والاستفادة الناجمة عنه للطرفين إذا حصلت تعاقدات ضخمة مع شركات الغذاء والدواء والصناعات الخفيفة والثقيلة والإنشاءات ومختلف القطاعات الأخرى... وهنا مسئولية الأخوة في مصر لتطوير التشريعات الجاذبة للاستثمارات والرساميل والضامنة لاستمرارية العقود.

تجربة أوربا
وقال في نهاية مقاله: نتمنى على الجميع، ونبدأ بأنفسنا، أن تكون مقاربتنا للتعاون والعلاقات مرتكزة دائمًاعلى الاقتصاد من جهة وعلى المناخ الديموقراطي الحر من جهة أخرى. هكذا استمر تقارب دول كثيرة في أوربا والأميركيتين رغم تفاوت الإمكانات والثروات، فما يخدم الشعوب يبقى درعًا حاميًا للمصالح المشتركة... وهذا ما نريده للكويت ولمصر.

الجريدة الرسمية